"يتخذوه سبيلا"، يقول: يسلكوه ويجعلوه لأنفسهم طريقًا، لصرف الله إياهم عن آياته، وطبعه على قلوبهم، فهم لا يفلحون ولا ينجحون= "ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين"، يقول تعالى ذكره: صرفناهم عن آياتنا أن يعقلوها ويفهموها فيعتبروا بها ويذكروا فينيبوا، عقوبةً منا لهم على تكذيبهم بآياتنا = "وكانوا عنها غافلين"، يقول: وكانوا عن آياتنا وأدلتنا الشاهدة على حقيقة ما أمرناهم به ونهيناهم عنه= "غافلين"، لا يتفكرون فيها، لاهين عنها، لا يعتبرون بها، فحق عليهم حينئذ قول ربنا فعَطِبوا. (١)
* * *
واختلف القرأة في قراءة قوله: "الرشد".
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض المكيين وبعض البصريين: (الرُّشْدِ)، بضم "الراء" وتسكين "الشين".
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة وبعض المكيين: (الرَّشَدِ)، بفتح "الراء" و"الشين".
* * *
ثم اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك إذا ضمت راؤه وسكنت شينه، وفيه إذا فتحتا جميعًا.
فذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: معناه إذا ضمت راؤه وسكنت شينه: الصلاح، كما قال الله: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا)، [سورة النساء: ٦]، بمعنى: صلاحًا. وكذلك كان يقرؤه هو= ومعناه إذا فتحت راؤه وشينه: الرشد في الدين، كما قال جل ثناؤه: (تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) [سورة الكهف: ٦٦]، (٢)

(١) (١) انظر تفسير ((الغفلة)) فيما سلف ص: ٧٥، تعليق: ٤، والمراجع هناك.
(٢) (٢) قراءتنا وقراءة السبعة: ((رشدا)) (بضم الراء وسكون الشين)، وقراءة أبي عمرو من السبعة كما ذكر أبو جعفر، ولذلك استدل بها أبو عمرو في هذا الموضع. ولم يذكر هذه القراءة أبو جعفر في تفسير الآية من سورة الكهف.


الصفحة التالية
Icon