وَأَقَامُوا الصَّلاةَ)، [سورة التوبة: ٥، ١١] الآية، كلها. وقرأ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)، [سورة التوبة: ٧٣ / سورة التحريم: ٩] قال: وأمر المؤمنين بالغلظة عليهم، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً)، [سورة التوبة: ١٢٣] بعدما كان أمرهم بالعفو. وقرأ قول الله: (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ)، [سورة الجاثية: ١٤] ثم لم يقبل منهم بعد ذلك إلا الإسلام أو القتل، فنسخت هذه الآية العفو. (١)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معناه: خذ العفو من أخلاق الناس، واترك الغلظة عليهم = وقال: أُمر بذلك نبيّ الله ﷺ في المشركين.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن الله جل ثناؤه أتبع ذلك تعليمَه نبيَّه ﷺ محاجَّته المشركين في الكلام، وذلك قوله: (قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون)، وعقَّبه بقوله: (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا)، فما بين ذلك بأن يكون من تأديبه نبيَّه ﷺ في عشرتهم به، (٢) أشبهُ وأولى من الاعتراض بأمره بأخذ الصدقة من المسلمين.
* * *
فإن قال قائل: أفمنسوخ ذلك؟
قيل: لا دلالة عندنا على أنه منسوخ، إذ كان جائزًا أن يكون = وإن كان الله أنزله على نبيه ﷺ في تعريفه عشرةَ من لم يُؤْمَر بقتاله من المشركين = مرادًا به تأديبُ نبيّ الله والمسلمين جميعًا في عشرة الناس، وأمرهم بأخذ عفو

(١) مضي خبر آخر برقم: ٤١٧٥، فيه ذكر هذه الآية، وتفسيرها بذلك عن ابن عباس.
(٢) قوله: ((به)) في آخر الجملة، متعلق بقوله في أولها ((من تأديبه))، كأنه قال ((من تأديبه به))، أي بهذا الذي بين الآيتين.


الصفحة التالية
Icon