وأما قوله: (وإن تنتهوا فهو خير لكم)، فإنه يقول: "وإن تنتهوا"، يا معشر قريش، وجماعة الكفار، عن الكفر بالله ورسوله، وقتال نبيه ﷺ والمؤمنين به= "فهو خير لكم"، في دنياكم وآخرتكم (١) = (وإن تعودوا نعد)، يقول: وإن تعودوا لحربه وقتاله وقتال اتباعه المؤمنين= "نعد"، أي: بمثل الواقعة التي أوقعت بكم يوم بدر.
* * *
وقوله: (ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت)، يقول: وإن تعودوا نعد لهلاككم بأيدي أوليائي وهزيمتكم، ولن تغني عنكم عند عودي لقتلكم بأيديهم وسَبْيكم وهزمكم (٢) " فئتكم شيئًا ولو كثرت"، يعني: جندهم وجماعتهم من المشركين، (٣) كما لم يغنوا عنهم يوم بدر مع كثرة عددهم وقلة عدد المؤمنين شيئًا= (وأن الله مع المؤمنين)، يقول جل ذكره: وأن الله مع من آمن به من عباده على من كفر به منهم، ينصرهم عليهم، أو يظهرهم كما أظهرهم يوم بدر على المشركين. (٤)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٥٨٥٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق في قوله: (وإن تنتهوا فهو خير لكم)، قال: يقول لقريش= "وإن تعودوا نعد"، لمثل الواقعة التي أصابتكم يوم بدر= (ولئن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين)، أي: وإن كثر عددكم في أنفسكم لن يغني عنكم شيئًا. وإني مع المؤمنين، أنصرهم على من خالفهم. (٥)
* * *
(٢) انظر تفسير " أغنى " فيما سلف ٧: ١٣٣.
(٣) انظر تفسير " فئة " فيما سلف ص: ٤٣٥، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
(٤) انظر تفسير " مع " فيما سلف ص: ٤٢٨، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٥) الأثر: ١٥٨٥٠ - سيرة ابن هشام ٢: ٣٢٤، وهو تابع الأثر السالف رقم: ١٥٨٤٨، في القسم الثاني منه.
وكان في المطبوعة و " إن الله مع المؤمنين ينصرهم "، وفي المخطوطة مثله إلا أن فيها " أنصرهم "، وأثبت نص ما في سيرة ابن هشام، والذي في المخطوطة بعضه سهو من الناسخ وعجلة.