وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم (١) أن "القمل"، عند العرب: الحَمْنان = والحمنان ضرب من القِرْدان واحدتها: "حَمْنانة"، فوق القَمقامة. (٢) و"القمَّل" جمع، واحدتها "قملة"، وهي دابة تشبه القَمْل تأكلها الإبل فيما بلغني، وهي التي عناها الأعشى في قوله: (٣)
قَوْمٌ تُعَالِجُ قُمَّلا أَبْنَاؤُهُمْ وَسَلاسِلا أُجُدًا وَبَابًا مُؤْصَدَا (٤)

(١) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن ١: ٢٢٦.
(٢) ((القمقامة))، صغار القردان (جمع قراد) وهو أول ما يكون صغيراً، لا يكاد يرى من صغره، وهو أيضاً ضرب من القمل شديد التشبث بأصول الشعر.
(٣) في المطبوعة: ((الأعمش)) وهو خطأ في الطباعة.
(٤) ديوانه: ١٥٤، واللسان (قمل). من قصيدته التي قالها لكسرى حين أراد من بنى ضبيعة (رهط الأعشى) رهائن، لما أغار الحارث بن وعلة على بعض السواد، فأخذ كسرى قيس بن مسعود، ومن وجد من بكر، فجعل يحبسهم، فقال له الأعشى:يقول: من يبلغ كسرى عني تغضبه، رسائل تأتيه من كل مكان: أننا آلينا أن لا نعطيه من أبنائنا رهائن، يتولى إفسادهم كما أفسد رجالا من قبل، ولن ينال منا ذلك حتى تعطيه نجوم السماء رهائن من صواحباتها. ثم قال له:
مَنْ مُبْلِغٌ كِسْرَى، إذَا مَا جَاءَهُ رُهُنًا، عَنِّى مآلِكَ مُخْمِشَاتٍ شُرَّدَا
آلَيْتُ لا نُعْطِيهِ مِنْ أَبْنَائِنَا رُهْنًا فَيُفْسِدُهُمْ كَمَنْ قَدْ أَفْسَدَا
حَتَّى يُفِيدُكَ مِنْ بَنِيهِ رَهِينَةً نَعْشُ، وَيَرْهَنُكَ السِّمَاكُ الفَرْقَدَا
لَسْنَا كَمَنْ جَعَلَتْ إيَادُ دَارَهَا تَكْرِيت تَمْنَع حَبَّها أَنْ يُحْصَدا
قَوْمًا يُعَالَجُ.............. ...................
جَعَلَ الإِلَهُ طَعَامَنَا فِي مَالِنَا رِزْقًا تَضَمَّنَهُ لَنَا لَنْ يَنْفَدَا
يقول: لسنا كإياد التي آتتك الرهائن فأنها نزلت تكريت تنظر ما يحصد من الزرع من سنة إلى سنة، فهم حراثون، قد قملوا، فقام أبناؤهم يعالجون القمل، ويجرون السلاسل ليشدوها على الأجران، ويجهدون في تغليق أبوابها. أما نحن، فالله قد جعل إبلنا رزقنا، ضمنت لنا من ألبانها طعاماً لا ينفد، ونزعنا عن أعناقنا ربقة عبودية القرى والأمصار، إلى حرية البادية، نغدو فيها ونروح، ليس لك علينا سلطان. وهذا من شعر أحرار العرب. و ((الأجد)) (بضمتين) : القوى الموثق. يقال: ((ناقة أجد))، قوية وثيقة التركيب. و ((ناقة مؤجدة القرى))، مثله. ويقال: ((الحمد لله الذي آجدنى بعد ضعف))، أي: قوانى. و ((المؤصد)) من ((أوصد الباب)) أغلقه وأطبقه، فهو ((موصد)) و ((مؤصد)) بالهمز، ومثله قوله تعالى ذكره: ((إنها عليهم مؤصدة)) بالهمز، أي مطبقة.

وكان الفراء يقول: لم أسمع فيه شيئًا، فإن لم يكن جمعًا، فواحده "قامل"، مثل "ساجد" و"راكع"، (١) وإن يكن اسمًا على معنى جمع، (٢) فواحدته: "قملة". * ذكر المعاني التي حدثت في قوم فرعون بحدوث هذه الآيات، والسبب الذي من أجله أحدَثها الله فيهم.
١٥٠١٤ - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: لما أتى موسى فرعون قال له: أرسل معي بني إسرائيل! فأبى عليه، فأرسل الله عليهم الطوفان = وهو المطر = فصبّ عليهم منه شيئًا، فخافوا أن يكون عذابًا، فقالوا لموسى: ادع لنا ربّك أن يكشف عنا المطر، فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل (٣)، فدعا ربه، فلم يؤمنوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل، فأنبت لهم في تلك السنة شيئًا لم ينبته قبل ذلك من الزرع والثمر والكلأ. فقالوا: هذا ما كنا نتمنَّى، فأرسل الله عليهم الجراد، فسلَّطه على الكلأ فلما رأوا أثَره في الكلأ عرفوا أنه لا يُبقى الزرع. فقالوا: يا موسى ادْع لنا ربك فيكشف عنا الجرادَ فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه، فكشف
(١) في المطبوعة: ((فإن لم يكن جمعاً))، بزيادة ((لم)) وهي مفسدة للكلام، والصواب من المخطوطة.
(٢) لم أجد هذا في معاني القرآن للفراء، في هذا الموضع من تفسير الآية. انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٩٣، بل قال الفراء هنا: ((القمل، وهو الدبى الذي لا أجنحة له))، ولم يزد.
(٣) (٣) في المطبوعة: ((ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل))، غير ما في المخطوطة، ولم يكتب نص آية ((سورة الأعراف)) : ١٣٤. وكان في المخطوطة ما أثبته، إلا أنه كتب: ((لئن كشف عنا المطر فتؤمن لك)) وصواب الجملة ما أثبت إن شاء الله.


الصفحة التالية
Icon