وأما قوله: (إن الله يحب المتقين)، فإن معناه: إن الله يحب من اتقى الله وراقبه في أداء فرائضه، والوفاء بعهده لمن عاهده، واجتناب معاصيه، وترك الغدر بعهوده لمن عاهده.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (٨) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: كيف يكون لهؤلاء المشركين الذين نقضوا عهدهم أو لمن لا عهد له منهم منكم، أيها المؤمنون، عهد وذمة، وهم = (إن يظهروا عليكم)، يغلبوكم = (لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة).
* * *
واكتفى بـ "كيف" دليلا على معنى الكلام، لتقدم ما يراد من المعني بها قبلها. وكذلك تفعل العرب، إذا أعادت الحرف بعد مضيّ معناه، استجازوا حذف الفعل، كما قال الشاعر: (١)
وَخَبَّرْتُمَانِي أَنَّمَا الْمَوْتُ فِي الْقُرَى | فَكَيْفَ وَهَذِي هَضْبَةٌ وَكَثِيبُ (٢) |
* * *
(٢) الأصمعيات: ٩٩، طبقات فحول الشعراء: ١٧٦، أمالي القالي: ١٥١، جمهرة أشعار العرب: ١٣٥، ومعاني القرآن للفراء: ١: ٤٢٤ وغيرها كثير. وهي من أشهر المرائي وأنبلها. وكان لكعب بن سعد أخ يقال له " أبو المغوار "، فأخذ المدينة وباء، فنصحوه بأن يفر بأخيه من الأرض الوبيئة، لينجو من طوارق الموت، فلما خرج به إلى البادية هلك أخوه، فتفجع عليه تفجع العربي النبيل.