قال أبو جعفر: وهذا التأويل الذي تأوّله الضحاك على مذهب قراءة ابن عباس، إلا أن الذي حدثنا، هكذا ذكر القراءة في الرواية.
* * *
فإذا كانت القراءة التي ذكرنا أولى القراءتين في ذلك بالصواب، لإجماع الحجة من القراء عليها. فأولى التأويلات بتأويل ذلك، تأويلُ من قال: إنهم كانوا يفعلون ذلك جهلا منهم بالله أنه يخفى عليه ما تضمره نفوسهم، أو تناجوه بينهم.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالآية، لأن قوله: (ليستخفوا منه)، بمعنى: ليستخفوا من الله، وأن الهاء في قوله، (منه)، عائدة على اسم الله، ولم يجر لمحمّدٍ ذكر قبلُ، فيجعل من ذكره ﷺ وهي في سياق الخبر عن الله. فإذا كان ذلك كذلك، كانت بأن تكون من ذكر الله أولى. وإذا صحّ أن ذلك كذلك، كان معلومًا أنهم لم يحدِّثوا أنفسهم أنهم يستخفون من الله، إلا بجهلهم به. فأخبرهم جل ثناؤه أنه لا يخفى عليه سرُّ أمورهم وعلانيتها على أيّ حالٍ كانوا، تغشَّوا بالثياب، أو أظهروا بالبَرَاز، (١)
فقال: (ألا حين يستغشون ثيابهم)، يعني: يتغشَّون ثيابهم، يتغطونها ويلبسون.
* * *
يقال منه: "استغشى ثوبه وتغشّاه"، قال الله: (وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ) [سورة نوح: ٧]، وقالت الخنساء:
أَرْعَى النُّجُومَ وَمَا كُلِّفْتُ رِعْيَتِهَا | وَتَارَةً أَتَغَشَّى فَضْلَ أَطْمَارِي (٢) |
(٢) ديوانها: ١٠٩، من شعرها في مراثي أخيها صخر، تقول قبله:
إنِّي أَرِقْتُ فبِتُّ اللَّيْلَ سَاهِرَةً | كَأَنَّمَا كٌحِلَتْ عَيْنِي بِعُوَّارِ |