قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال التي ذكرناها بالصواب في تأويل قوله: (ويتلوه شاهد منه)، قولُ من قال: "هو جبريل"، لدلالة قوله: (ومن قبله كتاب موسى إمامًا ورحمةً)، على صحة ذلك. وذلك أن نبي الله ﷺ لم يتلُ قبل القرآن كتاب موسى، فيكون ذلك دليلا على صحة قول من قال: "عنى به لسان محمد صلى الله عليه وسلم، أو: محمد نفسه، أو: عليّ" على قول من قال: "عني به علي". ولا يعلم أنّ أحدًا كان تلا ذلك قبل القرآن، أو جاء به، ممن ذكر أهل التأويل أنه عنى بقوله: (ويتلوه شاهد منه)، غير جبريل عليه السلام.
* * *
فإن قال قائل: فإن كان ذلك دليلك على أن المعنيَّ به جبريل، فقد يجب أن تكون القراءة في قوله: (ومن قبله كتاب موسى) بالنصب، لأن معنى الكلام على ما تأولتَ يجب أن يكون: ويتلو القرآنَ شاهدٌ من الله، ومن قبل القرآن كتابَ موسى؟
قيل: إن القراء في الأمصار قد أجمعت على قراءة ذلك بالرفع فلم يكن لأحد خلافها، ولو كانت القراءة جاءت في ذلك بالنصب، كانت قراءة صحيحةً ومعنى صحيحًا.
فإن قال: فما وجه رفعهم إذًا "الكتاب" على ما ادعيت من التأويل؟
قيل: وجه رفعهم هذا أنهم ابتدؤوا الخبر عن مجيء كتاب موسى قبل كتابنا المنزل على محمد، فرفعوه ب "من" [ومنه]، (١) والقراءة كذلك، والمعنى الذي ذكرت من معنى تلاوة جبريل ذلك قبل القرآن، وأن المراد من معناه ذلك،

(١) في المطبوعة: " فرفعوه بمن قبله والقراءة كذلك "، غير ما في المخطوطة، لهذه الكلمة التي وضعتها بين القوسين، وأنا أخشى أن تكون زيادة لا معنى لها، ولذلك أثبتها بين القوسين، كما في المخطوطة.
وانظر تفسير الآية في معاني القرآن للفراء.


الصفحة التالية
Icon