يستطيعون السمع)، وهي طاعته = (وما كانوا يبصرون). وأما في الآخرة، فإنه قال: (فلا يستطيعون خاشعة)، [سورة القلم: ٤٢، ٤٣].
* * *
وقال آخرون: إنما عنى بقوله: (وما كان لهم من دون الله من أولياء)، آلهةَ الذين يصدون عن سبيل الله. وقالوا: معنى الكلام: أولئك وآلهتهم، (لم يكونوا معجزين في الأرض يضاعَفُ لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون)، يعني الآلهة، أنها لم يكن لها سمعٌ ولا بصر. وهذا قولٌ روي عن ابن عباس من وجه كرهت ذكره لضعْفِ سَنَده.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: يُضَاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ولا يسمعونه، وبما كانوا يبصرون ولا يتأمَّلون حجج الله بأعينهم فيعتبروا بها. قالوا: و"الباء" كان ينبغي لها أن تدخل، لأنه قد قال: (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)، [سورة البقرة: ١٠]، بكذبهم، في غير موضع من التنزيل أدخلت فيه "الباء"، وسقوطها جائز في الكلام كقولك في الكلام: " لأجزينَّك ما علمت، وبما علمت"، (١) وهذا قول قاله بعض أهل العربية.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، ما قاله ابن عباس وقتادة، من أن الله وصفهم تعالى ذكره بأنهم لا يستطيعون أن يسمعوا الحقّ سماع منتفع، ولا يبصرونه إبصار مهتد، لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمين، عن استعمال جوارحهم في طاعة الله، وقد كانت لهم أسماعٌ وأبصارٌ.
* * *

(١) في المطبوعة والمخطوطة: " كقولك في الكلام: لاحن بما فيك ما علمت وبما علمت "، وهذا كلام يبرأ بعضه من بعض، والظاهر أن الفساد كله من الناسخ، لأنه كتب " لاحن " في آخر الصفحة، ثم قلب، وبدأ الصفحة الأخرى. " بما فيك ما عملت "، وهذا عجب. والصواب الذي أثبته، هو نص كلام الفراء في معاني القرآن.


الصفحة التالية
Icon