عليه عذاب مقيم)، قال: ويقولون فيما بلغني: يا نوح قد صرت نجَّارًا بعد النبوّة! قال: وأعقم الله أرحام النساء، فلا يولد لهم ولد. قال: ويزعم أهل التوراة أن الله أمره أن يصنع الفلك من خشب السّاج، وأن يصنعه أزْوَر، (١) وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه، وأن يجعل طوله ثمانين ذراعًا، وأن يجعله ثلاثة أطباق: سفلا ووسطًا وعلوًا، وأن يجعل فيه كُوًى. ففعل نوح كما أمره الله، حتى إذا فرغ منه وقد عهد الله إليه (إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل) وقد جعل التَّنُّور آية فيما بينه وبينه، فقال: (إذا جاء أمرنا وفار التَّنُّور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين)، واركب. فلما فار التنور، حمل نوح في الفلك من أمره الله، وكانوا قليلا كما قال الله، وحمل فيها من كل زوجين اثنين مما فيه الروح والشجر، ذكر وأنثى، فحمل فيه بنيه الثلاثة: سام وحام ويافث ونساءهم، وستة أناس ممن كان آمن به، فكانوا عشرة نفر: نوح وبنوه وأزواجهم، ثم أدخل ما أمره به من الدوابّ، وتخلف عنه ابنه يَام، وكان كافرًا. (٢)
١٨١٣٨- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: سمعته يقول: كان أوّل ما حمل نوح في الفلك من الدوابّ الذرّة، وآخر ما حمل الحمار، فلما أدخل الحمار وأدخَل صدره، تعلق إبليس بذنبه، (٣) فلم تستقلّ رجلاه، فجعل نوح يقول: ويحك ادخل! فينهض فلا يستطيع. حتى قال نوح: ويحك ادخل وإن كان الشيطان معك! قال: كلمة زلَّت عن لسانه، فلما قالها نوح خلَّي الشيطان سبيله، فدخل ودخل الشيطانُ معه، فقال

(١) " أزور "، من " الزور "، (بفتح فسكون) وهو الصدر، و " الزور " (بفتحتين)، وهو عوج الزور، وهو أن يستدق جوشن الصدر، ويخرج الكلكل، كأنه عصر من جانبيه.
(٢) الأثر: ١٨١٣٧ - رواه الطبري في تاريخه ١: ٩٢، ٩٣.
(٣) في المطبوعة: " فلما دخل الحمار وأدخل رأسه مسك إبليس "، وفي المخطوطة: " فلما أدخل الحمار، وأدخل صدره إبليس بذنبه "، الأولى " أدخل "، وبين الكلامين بياض، وأثبت الصواب من تاريخ الطبري.


الصفحة التالية
Icon