وقوله: (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم)، يقول: لا مانع اليوم من أمر الله الذي قد نزل بالخلق من الغرق والهلاك، إلا من رحمنا فأنقذنا منه، فإنه الذي يمنع من شاء من خلقه ويعصم.
* * *
= ف "من" في موضع رفع، لأن معنى الكلام: لا عاصم يَعصم اليوم من أمر الله إلا الله.
* * *
وقد اختلف أهل العربية في موضع "من" في هذا الموضع.
فقال بعض نحويي الكوفة: هو في موضع نصب، لأن المعصوم بخلاف العاصم، والمرحوم معصوم. قال: كأن نصبه بمنزلة قوله: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ) [سورة النساء: ١٥٧]، قال: ومن استجاز: (اتِّباعُ الظَّنِّ)، والرفع في قوله: (١)

وَبَلْدَةٌ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ إِلا الْيَعَافِيرُ وَإِلا العِيسُ (٢)
لم يجز له الرفع في "من"، لأن الذي قال: "إلا اليعافير"، جعل أنيس البرِّ، اليعافير وما أشبهها. وكذلك قوله: (إلا اتباع الظن)، يقول علمهم ظنٌّ. قال: وأنت لا يجوز لك في وجه أن تقول: "المعصوم " هو "عاصم " في حال، ولكن لو جعلت "العاصم " في تأويل " معصوم"، [كأنك قلت] :" لا معصوم اليوم من أمر الله"، (٣) لجاز رفع "من". قال: ولا ينكر أن يخرج "المفعول" على "فاعل"، ألا ترى قوله: (مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ)، [سورة الطارق: ٦]، معناه، والله
(١) هو جران العود.
(٢) سلف البيت وتخريجه فيما مضى ٩: ٢٠٣.
(٣) الزيادة بين القوسين من معاني القرآن للفراء، وهو نص كلامه.


الصفحة التالية
Icon