القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (١٢) ﴾
قال أبو جعفر: واختلفت القراء في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قراء أهل المدينة:"يَرْتَعِ وَيَلْعَبْ"، بكسر العين من"يرتع"، وبالياء في"يرتع ويلعب"، على معنى:"يفتعل"، من"الرعي":"ارتعيت فأنا أرتعي"، كأنهم وجَّهوا معنى الكلام إلي: أرسله معنا غدًا يرتَع الإبل ويلعب، (وإنّا له لحافظون).
وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة:" أرْسِلهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ"، بالياء في الحرفين جميعًا، وتسكين العين، من قولهم:"رتع فلانٌ في ماله"، إذا لَهَا فيه ونَعِم وأنفقه في شهواته. ومن ذلك قولهم في مثل من الأمثال:"القَيْدُ والرَّتَعَة"، (١) ومنه قول القطامي:

أكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي وَبَعْدَ عَطَائِكَ المِئَةَ الرِّتَاعَا (٢)
* * *
وقرأ بعض أهل البصرة:"نَرْتَعْ" بالنون"ونَلْعَبْ" بالنون فيهما جميعًا، وسكون العين من"نرتع".
١٨٨١٣- حدثني أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا حجاج، عن هارون، قال: كان أبو عمرو يقرأ:"نَرْتَعْ ونَلْعَبْ" بالنون، قال: فقلت
(١) مثل ذكره الميداني في أمثاله ٢: ٣٩، والمفضل الضبي في أمثاله: ٦٢، والمفضل ابن سلمة في كتابه الفاخر ص: ١٧٠، ٢٤١، واللسان (رتع). وأصله أن عمرو بن الصعق، أسرته شاكر، من همدان، فأحسنوا إليه. وكان فارق قومه نحيفًا، فهرب من شاكر، فلما وصل إلى قومه قالوا: أي عمرو، خرجت من عندنا نحيفًا، وأنت اليوم بادن؟ فقال:" القيد والرتعة"، فأرسلها مثلا. و" الرتعة" الخصب.
(٢) سلف البيت وتخريجه وشرحه ١: ١١٦، تعليق: ١.


الصفحة التالية
Icon