القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (٢٩) ﴾
يقول تعالى ذكره: ألم تنظر يا محمد (إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا) يقول: غيروا ما أنعم الله به عليهم من نعمه، فجعلوها كُفرا به، وكان تبديلهم نعمة الله كفرا في نبيّ الله محمد صلى الله عليه وسلم، أنعم الله به على قريش، فأخرجه منهم، وابتعثه فيهم رسولا رحمة لهم، ونعمة منه عليهم، فكفروا به، وكذّبوه، فبدّلوا نعمة الله عليهم به كفرا. وقوله: (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) يقول: وأنزلوا قومهم من مُشركي قريش دار البوار، وهي دار الهلاك، يقال منه: بار الشيء يبور بورا: إذا هلك وبطل؛ ومنه قول ابن الزِّبعرى، وقد قيل إنه لأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:

يا رَسُولَ الملِيكِ إِنَّ لِسانِي رَاتِقٌ ما فَتَقْتُ إذْ أنا بُورُ (١)
ثم ترجم عن دار البوار، وما هي؟ فقيل (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) يقول: وبئس المستقرّ هي جهنم لمن صلاها. وقيل: إن الذين بدّلوا نعمة الله كفرا: بنو أمية، وبنو مخزوم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار وأحمد بن إسحاق، قالا ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن عليّ بن زيد، عن يوسف بن سعد، عن عمر بن الخطاب، في قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ) قال: هما الأفجران من قريش: بنو المغيرة، وبنو أمية، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر؛ وأما بنو أمية فمتِّعوا إلى حين.
(١) البيت (في اللسان: بور) منسوب إلى عبد الله بن الزبعري السهمي قال: رجل بور، وكذلك الاثنان والجمع والمؤنث، وأنشد البيت شاهدا عليه. وفي سيرة ابن هشام أنشد البيت ونسبه إلى ابن الزبعري، قاله من أبيات حين قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هاربا منه في نجران. والراتق الذي يصلح ما بلي أو تمزق من الثوب، وفتقت يعني ما أحدث في الدين من مقاومة النبي وهجائه بشعره، وهو إثم يشبه الفتق في الثوب، والتوبة رتق له، وبور هالك: يقال رجل بور وبائر، وهو محل الشاهد عند المؤلف، وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن، " دار البوار " أي الهلاك والفناء، ويقال منه بار يبور، ومنه قول عبد الله ابن الزبعرى البيت.


الصفحة التالية
Icon