وثيابها من سندس وإستبرق، فينيخونها ويقولون: إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلِّموا عليه. قال: فيركبونها، قال: فهي أسرع من الطائر، وأوطأ من الفراش نُجُبًا من غير مَهنَة، (١) يسير الرَّجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه، لا تصيب أذُنُ راحلة منها أذُنَ صاحبتها، ولا بَرْكُ راحلة بركَ صاحبتها، (٢) حتى إن الشجرة لتتنحَّى عن طرُقهم لئلا تفرُق بين الرجل وأخيه. قال: فيأتون إلى الرحمن الرحيم، فيُسْفِر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه، فإذا رأوه قالوا: اللهم أنت السلام ومنك السلام، وحُقَّ لك الجلال والإكرام". قال: فيقول تبارك وتعالى عند ذلك:"أنا السلام، ومنى السلام، وعليكم حقّت رحمتي ومحبتي، مرحبًا بعبادي الذين خَشُوني بغَيْبٍ وأطاعوا أمري". قال: فيقولون:"ربنا إنا لم نعبدك حق عبادتك ولم نقدرك حق قدرك، فأذن لنا بالسجود قدَّامك" قال: فيقول الله: إنها ليست بدار نَصَب ولا عبادة، ولكنها دارُ مُلْك ونعيم، وإني قد رفعت عنكم نَصَب العبادة، فسلوني ما شئتم، فإن لكل رجل منكم أمنيّته". فيسألونه، حتى إن أقصرهم أمنيةً ليقول: ربِّ، تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها، رب فآتني كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا" فيقول الله: لقد قصّرت بك اليوم أمنيتُك، ولقد سألت دون منزلتك، هذا لك مني، وسأتحفك بمنزلتي، لأنه ليس في عطائي نكَد ولا تَصْريدٌ" (٣). قال: ثم يقول:"اعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيهم، ولم يخطر لهم على بال". قال: فيعرضون عليهم حتى يَقْضُوهم أمانيهم التي في أنفسهم، فيكون فيما يعرضون عليهم بَرِاذين مقرَّنة، على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة، على كل سرير منها قبة من ذهب مُفْرَغة، في كل قبة منها فُرُش من فُرُش الجنة مُظَاهَرة، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة، ليس في الجنة لونٌ إلا وهو فيهما، ولا ريح طيبة إلا قد عَبِقتَا به، ينفذ ضوء وجوههما غِلَظ القبة، حتى يظن من يراهما أنهما من دُون القُبة، يرى مخهما من فوق سوقهما كالسِّلك الأبيض من ياقوتة حمراء، يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة، أو أفضل، ويرى هولُهما مثل ذلك. ثم يدخل إليهما فيحييانه ويقبّلانه ويعانقانه، ويقولان له:"والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك"، ثم يأمر الله الملائكة فيسيرون بهم صفًّا في الجنة، حتى ينتهي كل رجُل منهم إلى منزلته التي أعدّت له. (٤)
٢٠٣٩١- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال: حدثنا علي بن جرير، عن حماد قال: شجرة في الجنة في دار كل مؤمن غصن منها.
٢٠٣٩٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن حسان بن أبي الأشرس، عن مغيث بن سمي قال:"طوبى"، شجرة في الجنة، لو أن رجلا ركب قلوصًا جَذَعا أو جَذَعَة، ثم دار بها، لم يبلغ المكان الذي ارتحل منه حتى يموت هَرمًا. وما من أهل الجنة منزل إلا فيه غصن من أغصان تلك الشجرة متدلٍّ عليهم، فإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلّى إليهم

(١) " المهنة" (بفتحات) جمع" ماهن"، ويجمع على" مهان"، نحو" كاتب، وكتبة، وكتاب"، وهو الخادم.
(٢) هكذا في المخطوطة، وفي تفسير ابن كثير" برك"، وفي الدر المنثور" لا تزل راحلة بزل صاحبتها"، وأنا أرجح أن الصواب:" ولا ورك راحلة ورك صاحبتها" ولكن الناسخ الأول وصل الواو بالراء، فأتى ناسخنا هذا فوصل بغير بيان ولا معرفة.
(٣) في المطبوعة:" ولا قصر يد"، وهو كلام غث بل هو عين الغثاثة. و" التصريد" في العطاء تقليله.
(٤) الأثر: ٢٠٣٩٠ -: الفضل بن الصباح البغدادي"، شيخ الطبري ثقة، مضى برقم: ٢٢٥٢، ٣٩٥٨.
و" إسماعيل بن الكريم بن معقل الصنعاني"، ثقة، مضى برقم: ٩٩٥، ٥٥٩٨.
و" عبد الصمد بن معقل بن منبه اليماني"، ثقة، روى عن عمه وهب بن منبه، مضى برقم: ٩٩٥.
وقد رواه ابن كثير في التفسير ٤: ٥٢٤، وقال قبله:" روى ابن جرير عن وهب بن منبه هاهنا أثرًا غريبًا عجيبًا"، ثم أتم الخبر من طريق ابن أبي حاتم، ثم قال:" وهذا سياق غريب، وأثر عجيب، ولبعضه شواهد".


الصفحة التالية
Icon