والعرب تجعل "لا يكاد" فيما قد فُعِل، وفيما لم يُفْعَل. فأما ما قد فعل، فمنه هذا، لأن الله جل ثناؤه جعل لهم ذلك شرابًا. وأمَّا ما لم يفعل وقد دخلت فيه "كاد" فقوله: حتى (إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا) [سورة النور: ٤٠]، فهو لا يراها. (١)
* * *
وبنحو ما قلنا من أن معنى قوله: (ولا يكاد يسيغه)، وهو يُسيغه، جاء الخبرُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. *
ذكر الرواية بذلك:
٢٠٦٣١ - حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا إبراهيم أبو إسحاق الطَّالقَاني قال، حدثنا ابن المبارك، عن صفوان بن عمرو، عن عبيد الله بن بسر، عن أبي أمامة، عن النبي ﷺ في قوله: (ويُسقى من ماء صديد يتجرّعه)، "فإذا شَربه قَطَّع أمعاءَه حتى يخرج من دُبُره"، يقول الله عز وجل: (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) [سورة محمد: ١٥]، ويقول: (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ) [سورة الكهف: ٢٩]. (٢)
٢٠٦٣٢ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا معمر، عن ابن المبارك قال، حدثنا صفوان بن عمرو، عن عبيد الله بن بسر، عن أبي أمامة، عن النبي ﷺ في قوله: (ويسقى من ماءٍ صديد)، فذكر مثله، إلا أنه قال: (سُقُوا مَاءً حَمِيمًا). (٣)

(١) انظر تفسير " كاد " فيما سلف ٢: ٢١٨، ٢١٩ / ١٣: ١٣١.
(٢) الأثران: ٢٠٦٣١، ٢٠٦٣٢ - " إبراهيم، أبو إسحق الطالقاني "، هو " إبراهيم بن إسحق بن عيسى الطالقاني البناني "، وربما قيل: " إبراهيم بن عيسى "، منسوبًا إلى جده، وهو مولى " بنانة "، ثقة، من شيوخ أحمد، سمع ابن المبارك، وبقية. و " الطالقان "، بسكون اللام، ويقال بفتحها، بلدة بخراسان. وهو مترجم في التهذيب، والكبير ١/١/٢٧٣، وابن أبي حاتم في موضعين ١/١/٨٦، ١١٩، وتاريخ بغداد ٦: ٢٤.
و" عبد الله بن المبارك "، أحد الأئمة الكبار، مضى مرارًا كثيرة.
و" صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي "، ثقة ثبت مأمون، مضى مرارًا منها: ٧٠٠٩، ١٢١٩٤، ١٢٨٠٧، ١٣١٠٨.
و" عبيد الله بن بسر "، مصغرًا هكذا هو هنا، وفي رواية أحمد في مسنده، وفي سنن الترمذي. و " عبد الله بن بسر " في المستدرك للحاكم، وحلية الأولياء لأبي نعيم. وفي ابن كثير نقلا عن المسند " عبيد الله بن بشر "، وهو تصحيف.
وهذا الخبر من طريق ابن المبارك، عن صفوان بن عمرو، رواه أحمد في مسنده عن علي بن إسحق، عن عبد الله بن المبارك (المسند ٥: ٢٦٥).
ورواه الترمذي عن سويد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك (في باب ما جاء في صفة شراب أهل النار)
ورواه أبو نعيم في الحلية ٨: ١٨٢ من طرق: نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، ومعاذ بن أسد، عن ابن المبارك، ويحيي الحماني عنه، ومحمد بن مقاتل عنه، أربع طرق.
ورواه الحاكم في المستدرك ٢: ٣١ من طريق عبدان، وهو عبد الله بن عثمان بن جبلة، عن ابن المبارك، وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي.
وفي " عبيد الله بن بسر " مقال. قال الترمذي، وساق الخبر: " هذا حديث غريب، هكذا قال محمد بن إسماعيل: " عن عبيد الله بن بسر "، ولا يعرف " عبيد الله بن بسر " إلا في هذا الحديث. وقد روى صفوان بن عمرو عن " عبد الله بن بسر " صاحب النبي ﷺ غير هذا الحديث، وعبد الله بن بسر له أخ قد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وأخته قد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم، وعبيد الله بن بسر الذي روى عنه صفوان بن عمرو حديث أبي أمامة، أخو عبد الله بن بسر"
قلت: لم أجد ما قاله محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه الكبير.
وأما أبو نعيم في الحلية فقال: " تفرد به صفوان، عن عبد الله بن بسر، وقيل: عبد الله بن بشر، وهو اليحصبي الحمصي، يكنى أبا سعيد، ورواه بقية بن الوليد، عن صفوان مثله. روى صفوان، عن عبد الله بن بسر المازني، وله صحبة، وعن عبد الله بن بشر، ولذلك اشتبه على بعض الناس، وهذا هو: عبد الله بن بسر ".
وقال الحافظ ابن حجر في التهذيب، وساق ما قاله الترمذي: " وقال ابن أبي حاتم: عبيد الله بن بسر، ويقال: عبد الله، روى عن أبي أمامة، وعنه صفوان بن عمرو. وقال الطبراني عبد الله بن بسر اليحصبي، عن أبي أمامة، وروى له هذا الحديث، وحديثًا آخر من رواية بقية، عن صفوان، والله أعلم. وذكر أبو موسى المديني في ذيل الصحابة: عبيد الله بن بسر، أخو عبد الله بسر، قاله السلماني ". والذي نقله الحافظ عن ابن أبي حاتم موجود في الجرح والتعديل ٢/٢/٣٠٨.
ولكن العجب أن الإمام الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري، لم يترجم لعبيد الله بن بسر في تاريخه الكبير ولا الصغير، مع ما نقله عنه الترمذي مما يوهم أنه في أحدهما. وإنما الذي فيه: " عبد الله بن بسر السلمي، ثم المازني، من أصحاب رسول الله ﷺ (الكبير ٣/١/١٤) ثم ذكر " عبد الله بن بسر " وليس المازني، الجبراني "، وهذا يروي عن عبد الله بن بسر المازني، الصحابي، وعن أبي أمامة الباهلي. (مترجم في التهذيب أيضًا).
ولكن الإشارة التي تكاد تكون صريحة إلى هذا الخبر في كتاب البخاري، فهي في ترجمة " عبيد الله بن بشير بن جرير البجلي " قال: " عن أبي أمامة رضي الله عنه عن ابن المبارك، عن صفوان بن عمرو، الشامي "، ولا أدري كيف هذا، لأن ابن أبي حاتم ترجم في الجرح والتعديل ٢/٢/٣٠٨ " عبيد الله بن بسر " رقم: ١٤٦٧، ثم يليه رقم: ١٤٦٨ فقال: " عبيد الله بن بشير بن جرير البجلي (روى عن... )، روى عنه يونس بن أبي إسحق، سمعت أبي يقول ذلك ويقول: هو مجهول ".
وكذلك فعل الذهبي في ميزان الاعتدال ٢: ١٦٤، وقال: " عبيد الله بن بسر. حمصي، عن أبي أمامة، وعنه صفوان بن عمرو وحده، لا يعرف "، فيقال هو " عبد الله الصحابي، ويقال هو: " عبيد الله بن بسر الحبراني التابع، وهو أظهر "، ثم ذكر بعد " عبيد الله بن بشير البجلي "، وقال: " فيه جهالة، حدث عنه يونس بن أبي إسحق ليس إلا ".
فيكاد يكون واضحًا، أن الذي وقع في التاريخ الكبير (٣ / ١ / ٣٧٤، ٣٧٥)، إنما هو خلط بين ترجمتين مختلفتين، وأن ترجمة " عبيد الله بن بسر " قد سقط صدر منها من النسخة المطبوعة من التاريخ الكبير، وتداخل بعضها في ترجمة أخرى، ويرجح ذلك أن ابن أبي حاتم، الذي ذكر الترجمتين جميعًا، لم يتعرض لهذا في كتابه: " بيان خطأ محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه "، ولو كان في أصل تاريخ البخاري مثل هذا، لما فات ابن أبي حاتم، فيكون ما نقله الترمذي عن البخاري من التاريخ الكبير، وسقط من المطبوع.
(٣) الأثران: ٢٠٦٣١، ٢٠٦٣٢ - " إبراهيم، أبو إسحق الطالقاني "، هو " إبراهيم بن إسحق بن عيسى الطالقاني البناني "، وربما قيل: " إبراهيم بن عيسى "، منسوبًا إلى جده، وهو مولى " بنانة "، ثقة، من شيوخ أحمد، سمع ابن المبارك، وبقية. و " الطالقان "، بسكون اللام، ويقال بفتحها، بلدة بخراسان. وهو مترجم في التهذيب، والكبير ١/١/٢٧٣، وابن أبي حاتم في موضعين ١/١/٨٦، ١١٩، وتاريخ بغداد ٦: ٢٤.
و" عبد الله بن المبارك "، أحد الأئمة الكبار، مضى مرارًا كثيرة.
و" صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي "، ثقة ثبت مأمون، مضى مرارًا منها: ٧٠٠٩، ١٢١٩٤، ١٢٨٠٧، ١٣١٠٨.
و" عبيد الله بن بسر "، مصغرًا هكذا هو هنا، وفي رواية أحمد في مسنده، وفي سنن الترمذي. و " عبد الله بن بسر " في المستدرك للحاكم، وحلية الأولياء لأبي نعيم. وفي ابن كثير نقلا عن المسند " عبيد الله بن بشر "، وهو تصحيف.
وهذا الخبر من طريق ابن المبارك، عن صفوان بن عمرو، رواه أحمد في مسنده عن علي بن إسحق، عن عبد الله بن المبارك (المسند ٥: ٢٦٥).
ورواه الترمذي عن سويد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك (في باب ما جاء في صفة شراب أهل النار)
ورواه أبو نعيم في الحلية ٨: ١٨٢ من طرق: نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، ومعاذ بن أسد، عن ابن المبارك، ويحيي الحماني عنه، ومحمد بن مقاتل عنه، أربع طرق.
ورواه الحاكم في المستدرك ٢: ٣١ من طريق عبدان، وهو عبد الله بن عثمان بن جبلة، عن ابن المبارك، وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي.
وفي " عبيد الله بن بسر " مقال. قال الترمذي، وساق الخبر: " هذا حديث غريب، هكذا قال محمد بن إسماعيل: " عن عبيد الله بن بسر "، ولا يعرف " عبيد الله بن بسر " إلا في هذا الحديث. وقد روى صفوان بن عمرو عن " عبد الله بن بسر " صاحب النبي ﷺ غير هذا الحديث، وعبد الله بن بسر له أخ قد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وأخته قد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم، وعبيد الله بن بسر الذي روى عنه صفوان بن عمرو حديث أبي أمامة، أخو عبد الله بن بسر"
قلت: لم أجد ما قاله محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه الكبير.
وأما أبو نعيم في الحلية فقال: " تفرد به صفوان، عن عبد الله بن بسر، وقيل: عبد الله بن بشر، وهو اليحصبي الحمصي، يكنى أبا سعيد، ورواه بقية بن الوليد، عن صفوان مثله. روى صفوان، عن عبد الله بن بسر المازني، وله صحبة، وعن عبد الله بن بشر، ولذلك اشتبه على بعض الناس، وهذا هو: عبد الله بن بسر ".
وقال الحافظ ابن حجر في التهذيب، وساق ما قاله الترمذي: " وقال ابن أبي حاتم: عبيد الله بن بسر، ويقال: عبد الله، روى عن أبي أمامة، وعنه صفوان بن عمرو. وقال الطبراني عبد الله بن بسر اليحصبي، عن أبي أمامة، وروى له هذا الحديث، وحديثًا آخر من رواية بقية، عن صفوان، والله أعلم. وذكر أبو موسى المديني في ذيل الصحابة: عبيد الله بن بسر، أخو عبد الله بسر، قاله السلماني ". والذي نقله الحافظ عن ابن أبي حاتم موجود في الجرح والتعديل ٢/٢/٣٠٨.
ولكن العجب أن الإمام الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري، لم يترجم لعبيد الله بن بسر في تاريخه الكبير ولا الصغير، مع ما نقله عنه الترمذي مما يوهم أنه في أحدهما. وإنما الذي فيه: " عبد الله بن بسر السلمي، ثم المازني، من أصحاب رسول الله ﷺ (الكبير ٣/١/١٤) ثم ذكر " عبد الله بن بسر " وليس المازني، الجبراني "، وهذا يروي عن عبد الله بن بسر المازني، الصحابي، وعن أبي أمامة الباهلي. (مترجم في التهذيب أيضًا).
ولكن الإشارة التي تكاد تكون صريحة إلى هذا الخبر في كتاب البخاري، فهي في ترجمة " عبيد الله بن بشير بن جرير البجلي " قال: " عن أبي أمامة رضي الله عنه عن ابن المبارك، عن صفوان بن عمرو، الشامي "، ولا أدري كيف هذا، لأن ابن أبي حاتم ترجم في الجرح والتعديل ٢/٢/٣٠٨ " عبيد الله بن بسر " رقم: ١٤٦٧، ثم يليه رقم: ١٤٦٨ فقال: " عبيد الله بن بشير بن جرير البجلي (روى عن... )، روى عنه يونس بن أبي إسحق، سمعت أبي يقول ذلك ويقول: هو مجهول ".
وكذلك فعل الذهبي في ميزان الاعتدال ٢: ١٦٤، وقال: " عبيد الله بن بسر. حمصي، عن أبي أمامة، وعنه صفوان بن عمرو وحده، لا يعرف "، فيقال هو " عبد الله الصحابي، ويقال هو: " عبيد الله بن بسر الحبراني التابع، وهو أظهر "، ثم ذكر بعد " عبيد الله بن بشير البجلي "، وقال: " فيه جهالة، حدث عنه يونس بن أبي إسحق ليس إلا ".
فيكاد يكون واضحًا، أن الذي وقع في التاريخ الكبير (٣ / ١ / ٣٧٤، ٣٧٥)، إنما هو خلط بين ترجمتين مختلفتين، وأن ترجمة " عبيد الله بن بسر " قد سقط صدر منها من النسخة المطبوعة من التاريخ الكبير، وتداخل بعضها في ترجمة أخرى، ويرجح ذلك أن ابن أبي حاتم، الذي ذكر الترجمتين جميعًا، لم يتعرض لهذا في كتابه: " بيان خطأ محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه "، ولو كان في أصل تاريخ البخاري مثل هذا، لما فات ابن أبي حاتم، فيكون ما نقله الترمذي عن البخاري من التاريخ الكبير، وسقط من المطبوع.


الصفحة التالية
Icon