[سورة الرعد: ٣٥]. قال: فـ"تجري"، هو في موضع الخبر، كأنه قال: أن تجري، وأن يكون كذا وكذا، فلو أدخل "أن" جاز. قال: ومنه قول الشاعر: (١)
ذَرِينِي إِنَّ أَمْرَكِ لَنْ يُطَاعَا... وَمَا أَلْفَيْتِنِي حِلْمِي مُضَاعَا... (٢)
قال: فالحلمُ منصوبٌ ب "ألفيتُ" على التكرير، (٣) قال: ولو رفعه كان صوابًا. قال: وهذا مثلٌ ضربه الله لأعمال الكفّار فقال: مَثَلُ أعمال الذين كفروا يوم القيامة، التي كانوا يعملونها في الدنيا يزعمُون أنهم يريدون الله بها، مَثَلُ رمادٍ عصفت الريح عليه في يومِ ريح عاصفٍ، فنسفته وذهبت به، فكذلك

(١) هو عدي بن زيد بن العبادي، ونسبه سيبويه لرجل من بجيله أو خثعم.
(٢) سيبويه ١: ٧٧، ٧٨ / والخزانة ٢: ٣٦٨، ٣٦٩ / والعيني بهامش الخزانة ٤: ١٩٢ / وسيأتي في التفسير ٢٤: ١٥ (بولاق)، من أبيات عزيزة هذا أولها، يقول بعده:
ألاَ تِلْكَ الثَّعَالِبُ قَدْ تَعَاوَتْ عَلَيَّ وَحَالَفَتْ عُرْجًا ضِبَاعَا
لِتَاكُلَنِي، فَمَرَّ لَهُنَّ لَحْمِي وأَذْرَقَ مِنْ حِذَارِي أَوْ أَتَاعَا
فَإِنْ لَمْ تَنْدَمُوا فَثَكِلْتُ عَمْرًا وَهَاجَرْتُ المُرَوَّقَ والسَّماعَا
وَلاَ وَضَعَتْ إِلَيَّ عَلَى فِرَاشٍ حَصَانٌ يَوْمَ خَلْوَتِهَا قِنَاعَا
وَلاَ مَلَكَتْ يَدَايَ عِنَانَ طِرْفٍ ولا أَبْصَرْتُ من شَمْسٍ شُعَاعَا
وخُطَّةِ مَاجِدٍ كَلَّفْتُ نَفْسِي إِذَا ضَاقُوا رَحُبْتُ بِهَا ذِرَاعَا
والبيتان الأول والثاني من هذه الأبيات، في المعاني الكبير ٨٦٧، واللسان (مرد) (ذرق) (فرق). ولم أجد لهذه الأبيات خبرًا بعد، وأتوهمها في أقوام تحالفوا على أذاه، جعل بعضهم ثعالب لمكرها وخداعها، وبعضها ضباعًا، لدناءتها وموقها، والضباع موصوفة بالحمق (الحيوان ٧: ٣٨) وقول صاحب الخزانة: " أراد بالثعالب، الذين لاموه على جوده حسدًا ولؤمًا " قول مرغوب عنه. و " الضباع " عرج، فيها خمع. و " تعاوت " تجمعت، كما تتعاوى الذئاب فتجتمع. " ومر اللحم "، و " أمر، كان مرًا لا يستساغ. و " أذرق، أي جعلها تذرق، يقال: " ذرق الطائر، إذا خذق بسلحه، أي قذف، وهو هنا مستعار. إشارة إلى أن ذا بطونهم قد أساله الخوف حتى صار كسلح الطير مائعًا. و " أتاع " حملهم على القيء يعني من الخوف أيضًا " تاع القيء يتيع " خرج. ويرى " فأفرق " وهو مثل " أذرق " في المعنى هنا. و " عمرو " المذكور في شعر عدي، لا أكاد أشك أنه أخوه " عمرو بن زيد "، (الأغاني ٢: ١٠٥) قال: " كان لعدَي بن زيد أخوان، أحدهما اسمه عمار، ولقبه أبي، والآخر اسمه عمرو، ولقبه سمي ". و " المروق "، الخمر، لأنها تصفى بالراووق. و " السماع "، الغناء، يدعو على نفسه أن ينخلع من لذات الدنيا إذا لم يندموا على مغبة كيدهم له.
(٣) " التكرير "، هو البدل عند البصريين، ويسميه الكوفيون أيضًا " التبيين "، انظر ما سلف ٥٢٩ تعليق: ٢.


الصفحة التالية
Icon