بعضهم (أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا).. الآية، جعلوه أعضاء كما تُعَضَّى الشاة فوجه قائلو هذه المقالة قوله (عِضِينَ) إلى أن واحدها: عُضْو، وأن عِضِينَ جمعه، وأنه مأخوذ من قولهم عَضَّيت الشيء تعضية: إذا فرقته، كما قال رؤبة:
وليس دينُ اللَّهِ بالمُعَضَّى (١)
يعني بالمفرّق، وكما قال الآخر:
وعَضَّى بَنِي عَوْف فأمَّا عَدُوَّهُمْ... فأرْضَى وأمَّا الْعِزُّ منهُمُ فغيَّرا (٢)
يعني بقوله: وعَضَّى: سَبَّاهُمْ، وقَطَّعاهُمْ بألسنتهما (٣). وقال آخرون: بل هي جمع عِضَة، جمعت عِضين، كما جمعت البُرّة بُرِين، والعِزة عِزِين، فإذا وُجَّه ذلك إلى هذا التأويل كان أصل الكلام عِضَهَة، ذهبت هاؤها الأصلية، كما نقصوا الهاء من الشَّفَة وأصلها شَفَهَة، ومن الشاة، وأصلها شاهة، يدل على أن ذلك الأصل تصغيرهم الشفة: شُفَيْهة، والشاة: شُوَيْهة، فيردّون الهاءَ التي تسقط في غير حال التصغير، إليها في حال التصغير، يقال منه: عَضَهْتُ الرجل أعضَهُه عَضْهًا. إذا بَهَتَّه، وقذفته ببُهتان، وكأن تأويل من تأوّل

(١) البيت لرؤبة في ديوانه (طبع ليسبج سنة ١٩٠٣ ص ٨١) من أرجوزة له يمدح بها تميما وسعدا ونفسه، مطلعها: " داينت أروى والديون تقضي " والبيت هو ال ٥١ فيها واستشهد به أبو عبيد في (مجاز القرآن ١: ٣٥٥) عند قوله تعالى " الذين جعلوا القرآن عضين "، أي عضوه أعضاء، أي فرقوه فرقا. قال رؤبة: وليس... الخ و (في اللسان: عضا) عضيت الشاة والجزور تعضية: إذا جعلتها أعضاء وقسمتها. وعضى الشيء: وزعه وفرقه، قال: وليس.. البيت. ثم قال: وفي التنزيل: " جعلوا القرآن عضين " أي جزءوه أجزاء، وآمنوا ببعضه، وكفروا ببعض، وقال ابن الأعرابي: فرقوا فيه القول، فقالوا: شعر، وسحر، وكهانة فقسموه هذه الأقسام، وعضوه أعضاء.
(٢) البيت لم أقف على قائله. ولعله للمخيل السعدي وعضى بني عوف أي سباهم وقسمهم فأرضى عدوهم بذلك، ومن بني عوف، فغير حالهم، من السيادة إلى المذلة، ولعل رواية الشطر الثاني: " فأرضى وأما العز منهم فغبرا " وغبر بالباء الموحدة، كما في بيت المخبل السعدي، الذي أنشده صاحب اللسان في غبر، وهو فَأَنْزَلَهُمْ دارَ الضَّياعِ فاصْبَحُوا... على مَقعَدٍ مِنْ مَوْطِنِ العزِّ أَغْبرَا
يقال: عز أغبر: أي ذاهب دارس يريد أنه سبى فريقا من بني عوف، وأذل فريقا منهم.
(٣) قوله: " سباهم وقطعاهم بألسنتهما ": كذا في الأصل المخطوط (الورقة ٦٥ وجزء ١٤)، ولعله سهو من المؤلف، لأن الفعلى " عضى " إذا كان من التعضية، فهو مسند إلى واحد، ولا يظهر لي أي معنى لجعل المسند إليه مثنى في كلام المؤلف.


الصفحة التالية
Icon