خلقه وإنشاءه، فإنما نقول له كن فيكون، لا معاناة فيه، ولا كُلفة علينا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: يكون، فقرأه أكثر قرّاء الحجاز والعراق على الابتداء، وعلى أن قوله (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ) كلام تامّ مكتف بنفسه عما بعده، ثم يبتدأ فيقال: فيكون، كما قال الشاعر:
يُريدُ أنْ يُعْرِبَهُ فيعجِمُهْ (١)
وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الشام وبعض المتأخرين من قرّاء الكوفيين (فَيَكُونَ) نصبا، عطفا على قوله (أَنْ نَقُولَ لَهُ) وكأن معنى الكلام على مذهبهم: ما قولنا لشيء إذا أردناه إلا أن نقول له: كن، فيكون. وقد حُكي عن العرب سماعا: أريد أن آتيك فيمنعني المطر، عطفا بيمنعني على آتيك.
وقوله (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) يقول تعالى ذكره: والذين فارقوا قومهم ودورهم وأوطانهم عداوة لهم في الله على كفرهم إلى آخرين غيرهم (مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) يقول: من بعد ما نيل منهم في أنفسهم بالمكاره في ذات الله (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) يقول: لنسكننهم في الدنيا مسكنا يرضونه صالحا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) قال: هؤلاء أصحاب محمد ظلمهم أهل مكة، فأخرجوهم من ديارهم حتى لحق طوائف
والشِّعْرُ لا يَسْتَطِيعُهُ مَنْ يَظْلِمُهْ | يُرِيدُ أنْ يُعْربَهُ فَيُعْجِمُهْ |