إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) قال: نحن أهل الذكر.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) قال: الذكر: القرآن، وقرأ (إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وقرأ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ)... الآية.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) ﴾
يقول تعالى ذكره: أرسلنا بالبينات والزُّبُر رجالا نوحي إليهم.
فإن قال قائل: وكيف قيل بالبينات والزُّبُر، وما الجالب لهذه الباء في قوله (بِالْبَيِّنَاتِ) فإن قلت: جالبها قوله ((أرْسَلْنَا) وهي من صلته، فهل يجوز أن تكون صلة "ما" قبل "إلا" بعدها؟ وإن قلت: جالبها غير ذلك، فما هو؟ وأين الفعل الذي جلبها، قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك، فقال بعضهم: الباء التي في قوله (بالبَيِّنَاتِ) من صلة أرسلنا، وقال: إلا في هذا الموضع، ومع الجحد والاستفهام في كلّ موضع بمعنى غير، وقال: معنى الكلام: وما أرسلنا من قبلكم بالبينات والزبر غير رجال نوحي إليهم، ويقول على ذلك: ما ضرب إلا أخوك زيدا، وهل كلم إلا أخوك عمرا، بمعنى: ما ضرب زيدا غير أخيك، وهل كلم عمرا إلا أخوك؟ ويحتجّ في ذلك بقول أوْس بن حَجَر:
أبَنِي لُبَيْنَي لَسْتُمَ بِيَدٍ... إلا يَدٍ لَيْسَتْ لَهَا عَضُدُ (١)
ويقول: لو كانت "إلا" بغير معنى لفسد الكلام، لأن الذي خفض الباء قبل
بنصب يد التي بعد إلا على محل بيد التي قبلها. قال الشنتمري في الكلام على الشاهد: الشاهد فيه نصب ما بعد إلا، على البدل من موضع الباء وما عملت فيه. والتقدير: لستما يدا إلا يدا لا عضد لها. ولا يجوز الجر على البدل من المجرور، لأن ما بعد "إلا" مجرور، والباء: مؤكدة للنفي. ويروي: مخبولة=
العضد. والخبل: الفساد، أي أنتما في الضعف وقلة النفع كيد بطل عضدها. أهـ.
وقال الفراء في معاني القرآن (١: ١٧٢) : ورأيت الكسائي يجعل إلا مع الجحد والاستفهام بمنزلة غير... وقال في قوله تعالى: (لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا) لا أجد المعنى إلا: لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا. واحتج بقول الشاعر: أبني لبيني لستم بيد... إلا يد ليست لها عضد
فقال: لو كان المعنى إلا لكان الكلام فاسدا في هذا المعنى؛ لأني لا أقدر في هذا البيت على إعادة خافض بضمير، وقد ذهب ههنا مذهبا. قلت: وقد جوز الشيخ خالد في يد التي بعد إلا النصب على الاستثناء، وعلى البدلية، كما مر في كلام الأعلم الشنتمري. وجوز وجهاً ثالثاً تبعا للكسائي وأنشد بيته الشاهد، وهذا الوجه: هو جره على الصفة ليد الأولى. التصريح بمضمون التوضيح ١: ٤٢٤ (طبعة الأميرية، باب الاستثناء).
وقال الشيخ يس العليمي الحمصي في حاشيته على التصريح في هذا الموضع: "أبني لبيني" بصيغة المثنى، بدليل قوله "لستما" أي في رواية صاحب التصريح. وهو منادي حذف منه حرف النداء، وليس في قوله: "إلا يد" وصف الشيء بنفسه، لأن المعتمد بالصفة ليد الأولى صفة يد الثانية و "يد" الثانية صفة موطئة.