ويقول: كل ذلك على معنى هذا الشيء وهذا الشخص والسواد، وما أشبه ذلك، ويقول: من ذلك قول الله تعالى ذكره (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي) بمعنى: هذا الشيء الطالع. وقوله (كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ) ولم يقل ذكرها، لأن معناه: فمن شاء ذكر هذا الشيء. وقوله (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ) ولم يقل جاءت. وكان بعض البصريين يقول: قيل (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) لأن المعنى: نسقيكم من أيّ الأنعام كان في بطونه، ويقول: فيه اللبن مضمر، يعني أنه يسقي من أيها كان ذا لبن، وذلك أنه ليس لكلها لبن، وإنما يُسقى من ذوات اللبن. والقولان الأوّلان أصحّ مخرجا على كلام العرب من هذا القول الثالث.
وقوله (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا) يقول: نسقيكم لبنا، نخرجه لكم من بين فرث ودم خالصا: يقول: خلص من مخالطة الدم والفرث، فلم يختلطا به (سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ) يقول: يسوغ لمن شربه فلا يَغَصّ به كما يَغَصّ الغاصّ ببعض ما يأكله من الأطعمة. وقيل: إنه لم يَغصّ أحد باللبن قَطُّ.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧) ﴾
يقول تعالى ذكره: ولكم أيضًا أيها الناس عِبرةٌ فيما نسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا، مع ما نسقيكم من بطون الأنعام من اللبن الخارج من بين الفرث والدم. وحذف من قوله (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ) الاسم، والمعنى ما وصفت، وهو: ومن ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه لدلالة "مِن" عليه، لأن "من" تدخل في الكلام مُبَعِّضة، فاستغني بدلالتها ومعرفة السامعين بما يقتضي من ذكر الاسم معها. وكان بعض نحويِّي البصرة يقول في معنى الكلام: ومن ثمرات النخيل والأعناب شيء تتخذون منه سكرا، ويقول: إنما ذكرت الهاء في قوله (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ) لأنه أريد بها الشيء، وهو عندنا عائد على المتروك، وهو "ما". وقوله (تَتَّخِذُونَ) من صفة "ما" المتروكة.