والأمر المصدر، والاسم الإمر، كما قال الله جلّ ثناؤه (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا) قال: عظيما، وحكي في مثل شرّ إِمْر: أي كثير.
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) بقصر الألف من أمرنا وتخفيف الميم منها، لإجماع الحجة من القرّاء على تصويبها دون غيرها. وإذا كان ذلك هو الأولى بالصواب بالقراءة، فأولى التأويلات به تأويل من تأوّله: أمرنا أهلها بالطاعة فعصوا وفسقوا فيها، فحقّ عليهم القول، لأن الأغلب من معنى أمرنا: الأمر، الذي هو خلاف النهي دون غيره، وتوجيه معاني كلام الله جلّ ثناؤه إلى الأشهر الأعرف من معانيه، أولى ما وجد إليه سبيل من غيره.
ومعنى قوله (فَفَسَقُوا فِيهَا) : فخالفوا أمر الله فيها، وخرجوا عن طاعته (فَحَقَّ عَلَيْها القَوْلُ) يقول: فوجب عليهم بمعصيتهم الله وفسوقهم فيها، وعيد لله الذي أوعد من كفر به، وخالف رسله، من الهلاك بعد الإعذار والإنذار بالرسل والحجج (فَدَمَّرْناها تَدْميرًا) يقول: فخرّبناها عند ذلك تخريبا، وأهلكنا من كان فيها من أهلها إهلاكا، كما قال الفرزدق:
وكانَ لَهُمْ كَبكْرِ ثَمُودَ لَمَّا | رَغا ظُهْرًا فَدَمَّرَهُمْ دَمارًا (١) |
والبيت من قصيدة ناقض بها الفرزدق قصيدة جرير التي مطلعها:
ألا حَيَّ الدّيارَ بِسُعْدِ إنّي | أُحِبّ لِحُبّ فاطمةَ الّذيارا |
والضمير في قوله "وكان لهم كبكر ثمود" راجع إلى جرير المذكور في البيت قبله وهو:
جَرٍّ الْمُخْزِياتِ عَلى كُلَيْبٍ | جَرِيرٌ ثمَّ ما مَنَعَ الدَّمَارَا |
وبكر ثمود: ولد ناقة صالح. ورغا: صوت. والرغاء: صوت ذوات الخف.
القول في تأويل قوله تعالى:
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (١٧) ﴾