ما يأمرهم به من الاستغفار والتوبة، ويَستغشُون ثيابهم، قال: يلتفون بثيابهم، ويجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا ولا يُنظر إليهم.
وقال آخرون: إنما عُنِي بقوله (وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا) الشياطين، وإنها تهرب من قراءة القرآن، وذكر الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني الحسين بن محمد الذارع، قال: ثنا روح بن المسيب أبو رجاء الكلبي، قال: ثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، في قوله (وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا) هم الشياطين.
والقول الذي قلنا في ذلك أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، وذلك أن الله تعالى أتبع ذلك قوله (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا) فأن يكون ذلك خبرا عنهم أولى إذا كان بخبرهم متصلا من أن يكون خبرا عمن لم يجز له ذكر. وأما النفور، فإنها جمع نافر، كما القعود جمع قاعد، والجلوس جمع جالس؛ وجائز أن يكون مصدرا أخرج من غير لفظه، إذ كان قوله (وَلَّوْا) بمعنى: نفروا، فيكون معنى الكلام: نفروا نفورا، كما قال امرؤ القيس:
وَرُضْتُ فَذَلَّتْ صَعْبَةٌ أَيَّ إِذْلالِ (١)
إذا كان رُضْت بمعنى: أذللت، فأخرج الإذلال من معناه، لا من لفظه.

(١) هذا عجز بيت لامرئ القيس بن حجر الكندي، صدره * وصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا *
وهو من قصيدة عدة أبياتها ٥٤ بيتا، وهو الخامس والعشرون فيها، (انظر مختار الشعر الجاهلي، بشرح مصطفى السقا، طبعة الحلبي ص ٣٨). وقد استشهد المؤلف على أن قول القرآن، " ولوا على أدبارهم نفورا " يجوز أن يكون لفظ (نفورا) جمع نافر، كجلوس جمع جالس، وقعود جمع قاعد، ويجوز أن يكون مصدر نفر، وهو مفعول مطلق للفعل " ولوا " لأنه يئول بمعنى نفورا كما يئول قول امرئ القيس (أي إذلال) بمعنى أي ذل مع ما بينهما من فرق في المعنى. ولكن العرب تتسمح في وضع بعض المصادر موضع بعض على التأويل.


الصفحة التالية
Icon