أيها القوم قومكم، فأْوُوا إلى الكهف، كما يقال: إذ أذنبت فاستغفر الله وتب إليه.
وقوله: (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا) يقول: وييسر لكم من أمركم الذي أنتم فيه من الغمِّ والكرب خوفا منكم على أنفسكم ودينكم مرفقا، ويعني بالمرفق: ما ترتفقون به من شيء، وفي المرفق من اليد وغير اليد لغتان: كسر الميم وفتح الفاء، وفتح الميم وكسر الفاء، وكان الكسائي يُنكر في مِرْفَق الإنسان الذي في اليد إلا فتح الفاء وكسر الميم، وكان الفرّاء يحكي فيهما، أعني في مرفق الأمر واليد اللغتين كلتيهما، وكان ينشد في ذلك قول الشاعر:
بت أجافي مرفقا عن مرفقي (١)
ويقول: كسر الميم فيه أجود.
وكان بعض نحويي أهل البصرة يقول في قوله: (مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا) شيئا ترتفقون به مثل المقطع، ومرفقا جعله اسما كالمسجد، ويكون لغة، يقولون: رفق يرفق مرفقا، وإن شئت مرفقا تريد رفقا ولم يُقْرأ.
وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك. فقرأته عامة قراء أهل المدينة: "وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أمْرِكُمْ مِرْفَقا" بفتح الميم وكسر الفاء، وقرأته عامة قراء العراق في المصرين (مِرْفَقا) بكسر الميم وفتح الفاء.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان بمعنى واحد، قد قرأ بكل واحدة منهما قراء من أهل القرآن، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أن الأمر وإن كان كذلك، فإن الذي أختار في قراءة ذلك: (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا) بكسر الميم وفتح الفاء، لأن ذلك أفصح اللغتين وأشهرهما في العرب، وكذلك ذلك في كل ما ارتفق به من شيء.

(١) هذا بيت من الرجز، استشهد به المؤلف على أن المرفق الذي يرتفق بع وينتفع: يجوز فيه فتح الميم مع كسر الراء وكسر الميم مع فتح. وكذلك مرفق اليدين، وهو موافق لما قاله الفراء في معاني القرآن (الورقة ١٨٤ من مصورة الجامعة) قال: وقوله "من أمركم مرفقا " كسر الميم الأعمش والحسن، ونصبها أهل المدينة وعاصم، فكأن الذين فتحوا الميم وكسروا الفاء، أرادوا أن يفرقوا بين المرفق من الأمر، والمرفق من الإنسان. وأكثر العرب على كسر الميم من الأمر ومن الإنسان. والعرب أيضا تفتح الميم من مرفق الإنسان، لغتان فيهما. أه أما أبو عبيدة في مجاز القرآن (١: ٩٥ ذ) فإنه قال: المرفق: ما ارتفق به، ويقرؤه قوم مرفقا (أي بالفتح) فأما في اليدين فهو مرفق. ولم أجد هذا الشاهد عند الفراء، ولا عند أبي عبيدة، ولا في لسان العرب. ومعنى أجافي: أبعد.


الصفحة التالية
Icon