فبعيد قليل، لأنها لا تكاد تظاهر على معنى في حال الخفض، وربما جاء في شعر بعضهم في حال الضرورة، كما قال بعضهم:
هَلا سألْتَ بذِي الجَماجِمِ عنهُمُ... وأبي نَعِيمٍ ذي اللِّوَاءِ المُخْرَقِ (١)
فردّ أبا نعيم على الهاء والميم في عنهم، وقد بيَّنت قبح ذلك في كلامهم.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنزلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١) ﴾
يقول تعالى ذكره: وما من شيء من الأمطار إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر لكل أرض معلوم عندنا حدّه ومبلغه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا يزيد بن أبي زياد، عن رجل، عن عبد الله، قال: ما من أرض أمطر من أرض، ولكن الله يقدره في الأرض، ثم قرأ (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنزلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ).
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي جحيفة، عن عبد الله، قال: ما من عام بأمطر من عام، ولكن الله يصرفه

(١) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (ص ١٦٧ من مصورة الجامعة). قال: وقوله " وجعلنا لكم فيها معايش ": أراد الأرض " ومن لستم له برازقين " فمن في موضع نصب، يقول: جعلنا لكم فيها معايش والعبيد والإماء، وقد جاء أنهم الوحوش والبهائم، ومن: لا يفرد بها البهائم، ولا ما سوى الناس، فإن يكن ذلك على ما روى فنرى أن أدخل فيهم المماليك، على أنا ملكناكم العبيد والإبل والغنم وما أشبه ذلك، مجاز ذلك، وقد يقال إن " من " في موضع خفض، يراد جعلنا لكم فيها معايش ولمن. وما أقل ما ترد العرب لمخفوض قد كني عنه، وقد قال الشاعر: نعلق في مثل الواري سيوفنا... وما بينها والكعب غوط نفانف
فرد الكعب على بينها. وقال الآخر: هلا سألت... البيت، فرد " أبي نعيم " على الهاء في عنهم.
قلت: وهذا الموضع الذي أشار إليه الفراء، وهو عطف اسم مخفوض على ضمير هو قوله تعالى " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " من سورة النساء.


الصفحة التالية
Icon