أفواههم انشوى من حرّه لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود.
وقوله: (بِئْسَ الشَّرَابُ) يقول تعالى ذكره: بئس الشراب، هذا الماء الذي يغاث به هؤلاء الظالمون في جهنم الذي صفته ما وصف في هذه الآية.
وقوله: (وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) يقول تعالى ذكره: وساءت هذه النار التي أعتدناها لهؤلاء الظالمين مرتفقا، والمرتفق في كلام العرب: المتكأ، يقال منه: ارتفقت إذا اتكأت، كما قال الشاعر:

قالَتْ لَهُ وارْتَفَقَتْ ألا فَتى يَسُوقُ بالقَوْمِ غَزَالاتِ الضُّحَى (١)
أراد: واتكأت على مرفقها، وقد ارتفق الرجل: إذا بات على مرفقه لا يأتيه نوم، وهو مرتفق، كما قال أبو ذؤيب الهذلي:
نامَ الخَلِيُّ وَبِتُّ اللَّيْلَ مُرْتَفِقًا كَأنَّ عَيْني فيها الصَّابُ مَذْبُوحُ (٢)
وأما من الرفق فإنه يقال: قد ارتفقت بك مرتفقا، وكان مجاهد يتأول قوله: (وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) يعني المجتمع.
* ذكر الرواية بذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (مُرْتَفَقا) : أي مجتمعا.
حدثني يعقوب، قال: ثنا معتمر، عن ليث، عن مجاهد (وساءت مُرْتَفَقا) قال: مجتمعا.
(١) هذان بيتان من مشطور الرجز، ذكرهما اللسان في: غزل. ورواية الأول منهما مختلفة عن رواية المؤلف، وهي: * دعت سليمى دعوة هل من فتى *
وفي رواية أخرى: * ودعوة القوم ألا هل من فتى *
وغزالة الضحى وغزالاته: بعد ما تنبسط الشمس وتضحى. ولا شاهد في البيت الأول على هاتين الروايتين.
(٢) البيت في ديوان أبي ذؤيب الهذلي طبع دار الكتب المصرية، (القسم الأول من ديوان الهذليين ص ١٠٤) وهو مطلع قصيدة له. وفيه " مشتجرا " في موضع " مرتفقا " ومشتجرا أي يشجر رأسه بيده، يريد أنه وضع رأسه على يديه، كما يشجر الثوب بالعود. وقال الأصمعي: الصاب: شجرة مرة لها لبن يمض العين إذا أصابها. ومذبوح: مشقوق. والذبح: الشق. ومرتفقا: واضعا مرفقه تحت رأسه. والبيت: من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن ١: ٤٠٠) وأوله: " إني أرقت فبت... ". وقال: " ساءت مرتفقا ": أي متكئا. قال أبو ذؤيب... البيت.


الصفحة التالية
Icon