ويَمْنَحُها بَنُو شَمَجَى بن جَرْمٍ مَعِيزَهُمُ حَنانَكَ ذَا الحَنانِ (١)
وقد اختلف أهل العربية في "حنانيك" فقال بعضهم: هو تثنية "حنان". وقال آخرون: بل هي لغة ليست بتثنية; قالوا: وذلك كقولهم: حَوَاليك; وكما قال الشاعر:
ضَرْبا هَذَا ذَيْكَ وطَعْنا وَخْضًا (٢)
وقد سوّى بين جميع ذلك الذين قالوا حنانيك تثنية، في أن كل ذلك تثنية. وأصل ذلك أعني الحنان، من قول القائل: حنّ فلان إلى كذا وذلك إذا ارتاح إليه واشتاق، ثم يقال: تحنَّنَ فلان على فلان، إذا وصف بالتعطُّف عليه والرقة به، والرحمة له، كما قال الشاعر:
تَحَنّنْ عَليَّ هَدَاكَ المَلِيكُ فإنَّ لِكُلّ مَقامٍ مَقالا (٣)
بمعنى: تعطَّف عليّ. فالحنان: مصدر من قول القائل: حنّ فلان على فلان، يقال منه: حننت عليه، فأنا أحنّ عليه حنينا وحنانا، ومن ذلك قيل لزوجة الرجل: حَنَّته، لتحنته عليها وتعطفه، كما قال الراجز:
(١) البيت لامرئ القيس بن حجر (اللسان: حنن) و (مختار الشعر الجاهلي، بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص ١١٠) قال شارحه ويمنحها: هذه رواية الأصمعي أي يعطيها ويروى: ويمنعها، وهي أشبه بمعنى البيت. وقوله: حنانك ذا الحنان، فسره ابن الأعرابي: رحمتك يا رحمن، فأغنى عنهم. وعلى أية حال. فالشاعر برم بمجاورة بني شمجي بن جرم، متسخط فعلهم، زار عليهم، إذا منعوه المعزى. فأما إذا منحوه إياها (على رواية الأصمعي) فإنه يكون ساخطا، لاضطراره إلى أن يقبل منح أمثالهم مع ما له من الشرف والعراقة في الملك؛ كأنه يقول في نفسه: أبعد ما كان لنا من العز الشامخ تذل نفسي وتضطر إلى قبول المنح والصلات من الناس. وفي اللسان: فرواية الأعرابي تسخط وذم، وذلك تفسيره؛ ورواية الأصمعي: تشكر وحمد ودعاء لهم، وكذلك تفسيره.
(٢) البيت في (اللسان: هذذ) غير منسوب. قال: الهذ والهذذ: سرعة القطع وسرعة القراءة. قال: ضربا هذا ذيك: أي هذا بعد هذ، يعني قطعا بعد قطع. وعلى هذا استشهد به المؤلف.. والوخض: قال الأصمعي: إذا خالطت الطعنة الجوف ولم تنفذ، فذلك الوخض والوخط أه. يقال: وخضه بالرمح وخضا.
(٣) البيت للحطيئة (لسان العرب: حنن). قال: وتحنن عليه: ترحم، وأنشد ابن بر الحطيئة: تحنن علي... البيت.


الصفحة التالية
Icon