وقال: يريد: بكادت: أرادت، قال: فيكون المعنى: أريد أخفيها لتجزى كلّ نفس بما تسعى. قال: ومما يُشبه ذلك قول زيد الخيل:

سريع إلى الهَيْجاءِ شاكٍ سِلاحُهُ فَمَا أنْ تَكادُ قِرْنُهُ يَتَنَفَّسُ (١)
وقال: كأنه قال: فما يتنفس قرنه، وإلا ضعف المعنى; قال: وقال ذو الرُّمَّة:
إذا غَيَّرَ النَّأْيُ المُحِبِّينَ لَمْ يَكَدْ رَسِيسُ الهَوَى مِنْ حُبّ مَيَّةَ يَبْرَحُ (٢)
قال: وليس المعنى: لم يكد يبرح: أي بعد يُسر، ويبرح بعد عُسر; وإنما
(١) البيت لزيد الخيل كما قال المؤلف. واستشهد به صاحب (اللسان: كاد) على أن كاد قد تجيء صلة في الكلام. قال: وتكون كاد صلة للكلام (زائدة)، أجاز ذلك الأخفش وقطرب وأبو حاتم، واحتج قطرب بقول الشاعر: " سريع.. إلخ ". معناه: ما يتنفس قرنه، ولكن أبا جعفر الطبري جعله شبيهًا بالشاهد السابق عليه، وتوجيه قطرب لهذا الشاهد أوضح وأحسن، وإن التي قبل يكاد: زائدة، أو نافية مؤكدة لما النافية قبلها.
(٢) هذا البيت من حائية ذي الرمة المشهورة (ديوان طبعة كيمبردج سنة ١٩١٩ ص ٧٨) قال شارحه: النأي البعد، رسيس الهوى: مسه، وما خفي منه، أو أوله، ويقال: لم يجد رسيس الحمى، واستشهد المؤلف بالبيت على أن المعنى فيه: لم يبرح - أو لم يرد يبرح؛ وعلى هذا يكون الفعل (يكاد) زائدًا في الكلام، وقد جاء في (اللسان: رسس) رواية أخرى للبيت، تؤيد ما ذهب إليه المؤلف، من أن المعنى على زيادة (يكاد)، وهي:
إذا غَيَّرَ النَّأْيُ المُحِبِّينَ لَمْ يَكَدْ رَسِيسُ الهَوَى مِنْ حُبّ مَيَّةَ يَبْرَحُ
وهذه الرواية هي التي عدل إليها الشاعر، حين خطأه ابن شبرمة قاضي البصرة لما سمعه ينشد القصيدة في المربد. ولكن المحققين قالوا إن بديهة ذي الرمة في الرواية الأولى، كانت أجود من روايته، (في الرواية الثانية). وقد بين العلامة المحقق رضي الله الديلي الأستراباذي: محمد بن الحسن، صواب الرواية الأولى، بأن معنى لم يكد: لم يقرب وأن نفي مقاربة الشيء أبلغ من نفي الشيء فيكون معنى البيت: إذا غير البعاد قلوب المحبين، فبعاد مية عني لا يذهب بما أحس لها من حب ثابت مقيم ولا يقارب أن يذهب به. (وانظر شرح الرضي على كافية ابن الحاجب، طبعة الآستانة ٢: ٣٠٦ أفعال المقاربة). وقد أبطل الرضي زعم من زعم من النحاة أن " نفي كاد إثبات وأن إثباته نفي " وهو كلام نفيس دال على ذكائه ودقة فهمه.


الصفحة التالية
Icon