عن الإيمان كما قيل (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) يذهب إلى الفعلة، ولم يجر للإيمان ذكر في هذا الموضع، فيجعل ذلك من ذكره، وإنما جرى ذكر الساعة، فهو بأن يكون من ذكرها أولى.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (١٧) ﴾
يقول تعالى ذكره: وما هذه التي في يمينك يا موسى؟ فالباء في قوله (بِيَمِينكَ) من صلة تلك، والعرب تصل تلك وهذه كما تصل الذي، ومنه قول يزيد بن مفرع:

عَدسْ ما لِعَبَّادٍ عَلَيْكِ إمارَةٌ أمِنْتِ وَهَذَا تَحْملِينَ طَلِيقُ (١)
كأنه قال: والذي تحملين طليق.
ولعل قائلا أن يقول: وما وجه استخبار الله موسى عما في يده؟ ألم يكن عالما بأن الذي في يده عصا؟ قيل له: إن ذلك على غير الذي ذهبت إليه، وإنما قال ذلك عزّ ذكره له إذا أراد أن يحوّلها حية تسعى، وهي خشبة، فنبهه عليها، وقرّره بأنها خشبة يتوكأ عليها، ويهشّ بها على غنمه، ليعرّفه قُدرته على ما يشاء، وعظم سلطانه، ونفاذ أمره فيما أحبّ بتحويله إياها حيَّة تسعى، إذا أراد ذلك به ليجعل ذلك لموسى آية مع سائر آياته إلى فرعون وقومه.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (١٨) ﴾
يقول تعالى ذكره مخبرا عن موسى: قال موسى مجيبا لربه (هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي) يقول: أضرب بها الشجر اليابس فيسقط ورقها وترعاه غنمي، يقال منه: هشّ فلان الشجر يهشّ هشا: إذا اختبط ورق أغصانها
(١) البيت لزيد بن مفرغ الحميري، يخاطب بغلته حين هرب من عبيد الله بن زياد وأخيه عباد، وكان ابن مفرغ يهجوهما إذا تأخر عليه العطاء، وله قصة مشهورة. وعدس: زجر للبغل، أو اسم له. ويروى نجوت في مكان: أمنت (اللسان: عدس). وهذا: اسم إشارة، وقد وصل بجملة تحملين، فصار من الأسماء الموصولة في قول بعض النحويين. هذا: مبتدأ وجملة تحملين: صلة؛ وطليق: خبر المبتدأ. أي والذي تحملينه طليق، ليس لأحد عليه سلطان.


الصفحة التالية
Icon