معك (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى) يقول تعالى ذكره: ولقد تطولنا عليك يا موسى قبل هذه المرة مرّة أخرى، وذلك حين أوحينا إلى أمك، إذ ولدتك في العام الذي كان فرعون يقتل كل مولود ذكر من قومك ما أوحينا إليها; ثم فسَّر تعالى ذكره ما أوحى إلى أمه، فقال: هو أن اقذفيه في التابوت، فأن في موضع نصب ردًّا على "ما" التي في قوله (ما يُوحَى)، وترجمة عنها.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي (٣٩) ﴾
يقول تعالى ذكره: ولقد مننا عليك يا موسى مرّة أخرى حين أوحينا إلى أمك، أن اقذفي ابنك موسى حين ولدتك في التابوت (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ) يعني باليم: النيل (فليلقه اليم بالساحل) يقول: فاقذفيه في اليم، يلقه اليم بالساحل، وهو جزاء أخرج مخرج الأمر، كأن اليم هو المأمور، كما قال جلّ ثناؤه: (اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ) يعني: اتبعوا سبيلنا نحمل عنكم خطاياكم، ففعلت ذلك أمه به فألقاه اليم بمَشرّعة آل فرعون.
كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما ولدت موسى أمه أرضعته، حتى إذا أمر فرعون بقتل الولدان من سنته تلك عمدت إليه، فصنعت به ما أمرها الله تعالى، جعلته في تابوت صغير، ومهدت له فيه، ثم عمدت إلى النيل فقذفته فيه، وأصبح فرعون في مجلس له كان يجلسه على شفير النيل كلّ غداة، فبينا هو جالس، إذ مرّ النيل بالتابوت فقذف به وآسية ابنة مُزَاحم امرأته جالسة إلى جنبه، فقال: إن هذا لشيء في البحر، فأتوني به، فخرج إليه أعوانه حتى جاءوا به، ففتح التابوت فإذا فيه صبيّ في مهده، فألقى الله عليه محبته، وعطف عليه نفسه. وعنى جلّ ثناؤه بقوله (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) فرعون هو العدوّ، كان لله ولموسى.