لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا) موسى وهارون صلى الله عليهما.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) فقرأته عامة قرّاء الأمصار (إنَّ هَذَانِ) بتشديد إن وبالألف في هذان، وقالوا: قرأنا ذلك كذلك، وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: "إن" خفيفة في معنى ثقيلة، وهي لغة لقوم يرفعون بها، ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى ما، وقال بعض نحويي الكوفة: ذلك على وجهين: أحدهما على لغة بني الحارث بن كعب ومن جاورهم، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف، وقد أنشدني رجل من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعب:
فأطْرَقَ إطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ رَأى | مَساغا لِناباه الشُّجاعُ لصَمما (١) |
(١) البيت للمتلمس: جرير بن عبد العزى، وقيل جرير بن عبد المسيح، من كلمة له رواها ابن الشجري (انظر كتاب الأشموني في النحو بشرح الأستاذ محيي الدين عبد الحميد، طبعة الحلبي ١: ٤٧). قال: أطرق: سكت فلم يتكلم وأرخى عينيه ينظر إلى الأرض. والشجاع: ضرب من الحيات لطيف دقيق، وهو أجرؤها. أو هو الحية العظيمة تثب على الفارس والراجل وتقوم على ذنبها، وربما بلغت رأس الفارس، وتكون في الصحاري. ومساغا: اسم مكان من ساغ يسوغ: إذا دخل ونفذ. وصمما عضد ونيب. والبيت جار على لغة بني الحارث بن كعب ومن لف لفهم، والشاهد فيه أن قوله لناباه مثنى مجرور باللام، وقد جاء بالألف، وهي لغة بني الحارث بن كعب وبني العنبر وبني الهجيم وبطون من ربيعة وبكر بن وائل، وزبيد وخثعم وهمدان وعذرة. ويخرج بعض النحويين على هذه اللغة قوله تعالى: " إن هذان لساحران " وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا وتران في ليلة ". قال الفراء في معاني القرآن (الورقة ١٩٨ من مصورة الجامعة ٢٤٠٥٩) فقراءتنا بتشديد إن، وبالألف؛ على جهتين: إحداهما على لغة بني الحارث بن كعب يجعلون الاثنين في رفعهما وخفضهما بالألف، أنشدني رجل من الأسد عنهم " فأطرق إطراق الشجاع "... البيت. وحكى هذا الرجل عنهم: هذا خط يدا أخي، أعرفه بعينه وذلك وإن كان قليلا أقيس. (وساق المؤلف كلام الفراء إلى آخره).