قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بالعوج: الميل، وذلك أن ذلك هو المعروف في كلام العرب.
فإن قال قائل: وهل في الأرض اليوم من عوج، فيقال: لا ترى فيها يومئذ عوجا، قيل: إن معنى ذلك: ليس فيها أودية وموانع تمنع الناظر أو السائر فيها عن الأخذ على الاستقامة، كما يحتاج اليوم من أخذ في بعض سبلها إلى الأخذ أحيانا يمينا، وأحيانا شمالا لما فيها من الجبال والأودية والبحار. وأما الأمت فإنه عند العرب: الانثناء والضعف، مسموع منهم، مد حبله حتى ما ترك فيه أمتا: أي انثناء، وملأ سقاءه حتى ما ترك فيه أمتا، ومنه قول الراجز:
ما فِي انْجِذَابِ سَيْرِهِ مِنْ أمْتِ (١)
يعني: من وهن وضعف، فالواجب إذا كان ذلك معنى الأمت عندهم أن يكون أصوب الأقوال في تأويله: ولا ارتفاع ولا انخفاض، لأن الانخفاض لم يكن إلا عن ارتفاع، فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: لا ترى فيها ميلا عن الاستواء، ولا ارتفاعا، ولا انخفاضا، ولكنها مستوية ملساء، كما قال جلّ ثناؤه: (قَاعًا صَفْصَفًا).
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا (١٠٨) ﴾
يقول تعالى ذكره: يومئذ يتبع الناس صوت داعي الله الذي يدعوهم إلى موقف القيامة، فيحشرهم إليه (لا عِوَجَ لَهُ) يقول: لا عوج

(١) البيت من مشطور الرجز، وهو للعجاج كما في (اللسان: أمت) والرواية فيه: * ما في انطلاق ركبه من أمت *
قال: وفي حديث أبي سعيد الخدري: " أن النبي ﷺ حرم الخمر، فلا أمت فيها، وأنا أنهي عن السكر والمسكر ". قال أبو منصور: معنى قول أبي سعيد عن النبيّ: أراد أنه حرمها تحريما لا هوادة فيه ولا لين، لكنه شدد في تحريمها؛ وهو من قولك: سرت سيرا لا أمت فيه: أي لا وهن فيه ولا ضعف. وجائز أن يكون المعنى أنه حرمها تحريمًا لا شك فيه. وأصله من الأمت بمعنى الحزر والتقدير، لأن الشك يدخلها. قال العجاج * ما في انطلاق ركبه من أمت *
أي من فتور واسترخاء. أه.


الصفحة التالية
Icon