من تراب، فوضعها على رأسه، فاغتنم إبليس (الفرصة منه) (١) عند ذلك، فصعد سريعا بالذي كان من جزع أيوب مسرورا به، ثم لم يلبث أيوب أن فاء وأبصر، فاستغفر، وصَعَد قرناؤه من الملائكة بتوبة منه، فبدروا إبليس إلى الله، فوجدوه قد علم بالذي رُفع إليه من توبة أيوب، فوقف إبليس خازيا ذليلا فقال: يا إلهي، إنما هوّن على أيوب خَطَر المال والولد، أنه يرى أنك ما متعته بنفسه، فأنت تعيد له المال والولد، فهل أنت مسلِّطي على جسده؟ فأنا لك زعيم لئن ابتليته في جسده لينسينك، وليكفرنّ بك، وليَجْحَدنَّكَ نعمتك، قال الله: انطلق فقد سلطتك على جسده، ولكن ليس لك سلطان على لسانه ولا على قلبه، ولا على عقله.
فانقضّ عدوّ الله جوادا، فوجد أيوب ساجدا، فعجَّل قبل أن يرفع رأسه، فأتاه من قِبَل الأرض في موضع وجهه، فنفخ في منخره نفخه اشتعل منها جسده، فترهل، ونبتت (به) : ثآليل مثل أليات الغنم، ووقعت فيه حكة لا يملكها، فحكّ بأظفاره حتى سقطت كلها، ثم حكّ بالعظام، وحكّ بالحجارة الخشنة، وبقطع المُسوح الخشنة، فلم يزل يحكه حتى نَفِد لحمه وتقطع، ولما نَغِلَ جلد أيوب وتغير وأنتن، أخرجه أهل القرية، فجعلوه على تلّ وجعلوا له عريشا، ورفضه خلق الله غير امرأته، فكانت تختلف إليه بما يُصلحه ويلزمه، وكان ثلاثة من أصحابه اتبعوه على دينه، فلما رأوا ما ابتلاه الله به رفضوه من غير أن يتركوا دينه واتهموه، يُقال لأحدهم بلدد، وأليفز، وصافر (٢)، قال: فانطلق إليه الثلاثة، وهو في بلائه، فبكتوه: فلما سمع منهم أقبل على ربه، فقال أيوب صلى الله عليه وسلم: ربّ لأيّ شيء خلقتني؟ لو كنتَ إذْ كرهتني في الخير تركتني فلم تخلقني، يا ليتني كنت حَيْضة ألقتني أمي، ويا ليتني مِتّ في بطنها، فلم أعرف شيئا ولم تعرفني، ما الذنب الذي أذنبت لم يذنبه أحد غيري، وما العمل الذي عملت فصرفت وجهك الكريم عني، لو كنت أمتني فألحقتني بآبائي، فالموت كان أجمل بي، فأسوة لي بالسلاطين الذي صُفَّت من دونهم الجيوش،
(٢) وردت أسماء أصحاب أيوب الثلاثة في الكتاب المقدس ص ٧٩٥ وهو: أليفاز التيماني، وبلدد الشوحي، وصوفر النعمائي.