ما ابتلاه الله، قال الحسن: فصرخ إبليس عدوّ الله صرخة جمع فيها جنوده من أقطار الأرض جزعا من صبر أيوب، فاجتمعوا إليه وقالوا له: جمعتنا، ما خبرك؟ ما أعياك؟ قال: أعياني هذا العبد الذي سألت ربي أن يسلطني على ماله وولده فلم أدع له مالا ولا ولدا، فلم يزدد بذلك إلا صبرا وثناء على الله وتحميدا له، ثم سُلِّطت على جسده فتركته قُرْحة ملقاة على كُناسة بني إسرائيل، لا يقربه إلا امرأته، فقد افتضحت بربي، فاستعنت بكم، فأعينوني عليه، قال: فقالوا له: أين مكرك؟ أين علمك الذي أهلكت به من مضى، قال: بطل ذلك كله في أيوب، فأشيروا عليّ، قالوا: نشير عليك، أرأيت آدم حين أخرجته من الجنة، من أين أتيته؟ قال: من قِبَل امرأته، قالوا: فشأنك بأيوب من قبَل امرأته، فإنه لا يستطيع أن يعصيها، وليس أحد يقربه غيرها، قال: أصبتم، فانطلق حتى أتى امرأته وهي تَصَدَّق، فتمثل لها في صورة رجل، فقال: أين بعلك يا أمة الله؟ قالت: هو ذاك يحك قروحه، ويتردّد الدوابّ في جسده، فلما سمعها طمع أن تكون كلمة جزع، فوقع في صدرها، فوسوس إليها، فذكَّرها ما كانت فيه من النِّعم والمال والدوابّ، وذكَّرها جمال أيوب وشبابه، وما هو فيه من الضرّ، وأن ذلك لا ينقطع عنهم أبدا، قال الحسن: فصرخت، فلما صرخت علم أن قد صرخت وجزعت، أتاها بسُخْلة، فقال: ليذبح هذا إليّ أيوب ويبرأ، قال: فجاءت تصرخ يا أيوب، يا أيوب، حتى متى يعذبك ربك، ألا يرحمك؟ أين الماشية؟ أين المال، أين الولد؟ أين الصديق، أين لونك الحسن؟ قد تغير، وصار مثل الرماد؟ أين جسمك الحسن الذي قد بلي وتردد فيه الدوابّ؟ اذبح هذه السَّخْلة واسترح، قال أيوب: أتاك عدوّ الله، فنفخ فيك، فوجد فيك رفقا، وأجبته! ويلك أرأيت ما تبكين عليه مما تذكرين ما كنا فيه من المال والولد والصحة والشباب؟ من أعطانيه؟ قالت: الله، قال: فكم متَّعنا به؟ قالت: ثمانين سنة، قال: فمذ كم ابتلانا الله بهذا البلاء الذي ابتلانا به؟ قالت: منذ سبع سنين وأشهر، قال: ويلك! والله ما عدلت، ولا أنصفت ربك، ألا صبرت حتى نكون في هذا البلاء الذي ابتلانا ربنا به ثمانين سنة كما كنا في الرخاء ثمانين سنة؟ والله لئن شفاني الله لأجلدنَّك مئة جلدة، هيه أمرتيني أن أذبح لغير الله، طعامك وشرابك الذي تأتيني به عليّ حرام، وأن أذوق ما تأتيني به بعد، إذ قلت لي هذا فاغرُبي عني فلا أراك، فطردها، فذهبت، فقال الشيطان: هذا قد وطَّن نفسه ثمانين سنة على هذا البلاء الذي هو فيه، فباء بالغلبة ورفضه، ونظر أيوب إلى امرأته وقد طردها، وليس عنده طعام ولا شراب، ولا صديق. قال الحسن: ومرّ به رجلان وهو على تلك الحال، ولا والله ما على ظهر الأرض يومئذ أكرم على الله من أيوب، فقال أحد الرجلين لصاحبه: لو كان لله في هذا حاجة، ما بلغ به هذا، فلم يسمع أيوب شيئا كان أشدّ عليه من هذه الكلمة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن جرير بن حازم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: كان لأيوب أخوان، فأتياه، فقاما من بعيد لا يقدران أن يدنوا منه من ريحه، فقال أحدهما لصاحبه: لو كان الله علم في أيوب خيرا ما ابتلاه بما أرى، قال: فما جزع أيوب من شيء أصابه جزعه من كلمة الرجل، فقال أيوب: اللهمّ إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة شبعان قط وأنا أعلم مكان جائع فصدقني، فصُدِّق وهما يسمعان، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أتخذ قميصين قطّ وأنا أعلم مكان عار فصدقنيُ فصُدِّق وهما يسمعان، قال: ثم خرّ ساجدا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: فحدثني مخلد بن الحسين، عن هشام، عن الحسن، قال: فقال: (رب أني مسني الضر) ثم ردّ ذلك إلى ربه فقال (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن جرير، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: فقيل له: ارفع رأسك فقد استجيب لك.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن مبارك، عن الحسن ومخلد، عن هشام، عن الحسن، دخل حديث أحدهما في الآخر، قالا فقيل له: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) فركض برجله فنبعت عين، فاغتسل منها، فلم يبق عليه من دائه شيء ظاهر إلا سقط، فأذهب الله