وقوله: (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) اختلفت القرّاء في قراءة قوله: (تُنْبِتُ) فقرأته عامة قرّاء الأمصار: (تَنْبُت) بفتح التاء، بمعنى: تنبت هذه الشجرة بثمر الدهن، وقرأه بعض قرّاء البصرة: (تُنْبِت) بضم التاء، بمعنى تنبت الدهن، تخرجه. وذكر أنها في قراءة عبد الله: (تُخْرجُ الدُّهْن) وقالوا: الباء في هذا الموضع زائدة كما قيل: أخذت ثوبه، وأخذت بثوبه، وكما قال الراجز:

نَحْنُ بَنُو جَعْدَةَ أرْبابُ الفَلَجْ نَضْرِبُ بِالبيضِ وَنَرْجُو بالفَرَج (١)
بمعنى: ونرجو الفرج. والقول عندي في ذلك أنهما لغتان: نبت، وأنبت; ومن أنبت قول زهير:
رأيْتَ ذوي الحاجاتِ حَوْلَ بُيُوتِهِمْ قَطِينا لَهُمْ حتى إذا أنْبَتَ البَقْلُ (٢)
ويروى: نبت، وهو كقوله: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) و"فاسر"، غير أن ذلك وإن كان
(١) البيت لنابغة بني جعدة (خزانة الأدب للبغدادي ٤: ١٦٠) والفلج في الأصل النهر الصغير، والماء الجاري. والمراد في البيت: موضع في أعلى بلاد قيس. ويروى (نضرب بالسيف). والبيض: جمع أبيض، وهو السيف. والبيت شاهد على زيادة الباء في قوله بالفرج، أي ونرجو الفرج. وهي زائدة في المفعول به سماعًا. قال ابن عصفور في الضرائر: زيادة الباء هنا: ضرورة. وقال ابن السيد في شرح أدب الكاتب لابن قتيبة: إنما عدى الرجاء بالباء، لأنه بمعنى الطمع يتعدى بالباء، كقولك: طمعت بكذا. قال الشاعر:
طَمِعْتُ بِلَيْلَى أنْ تجُودَ وَإِنَّمَا تُقَطِّعُ أَعْنَاقَ الرِّجَالِ المَطَامِعُ
وبنو جعدة يروى بالرفع على أنه خبر نحن، وبالنصب على الاختصاص، والخبر: أرباب. اهـ.
(٢) البيت في (اللسان نبت) قال: ونبت البقل وأنبت بمعنى، وأنشد لزهير بن أبي سلمى: ثم قال: يعني بالشهباء البيضاء من الجدب، لأنها تبيض بالثلج أو عدم النبت. والحجرة السنة الشديدة التي تحجر الناس في بيوتهم، فينحروا كرائم إبلهم ليأكلوها. والقطين: الحشم، وسكان الدار. وأجحفت أضرت بهم، وأهلكت أموالهم. قال: ونبت وأنبت: مثل قولهم مطرت السماء وأمطرت. وقال في قوله تعالى: ﴿تنبت بالدهن﴾ قرأ ابن كثير وأبو عمرو الحضرمي: ﴿تنبت﴾ بضم في التاء، وكسر الباء. وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي وابن عامر: بفتح التاء. وقال الفراء: هما لغتان: نبتت الأرض وأنبتت، قال ابن سيده: أما تنبت (بضم التاء) فذهب كثير من الناس إلى أن معناه: تنبت الدهن، أي شجر الدهن، أو حب الدهن، وأن الباء فيه زائدة، وكذلك قول عنترة " شربت بماء الدحرضين... البيت " قالوا: أراد شربت ماء الدحرضين. قال: وهذا عند حذاق أصحابنا على غير وجه الزيادة، وإنما تأويله والله أعلم: تنبت ما تنبته والدهن فيها، كما تقول: خرج زيد بثيابه عليه؛ وركب الأمير بسيفه، أي وسيفه معه. اهـ.


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
إذَا السَّنَةُ الشَّهْبَاءُ بِالنَّاسِ أجْحَفَتْ وَنَالَ كِرَامَ النَّاسِ فِي الحَجْرةِ الأَكلُ