أعطيه الرسول من الكرامة، وكيف رضي كل إنسان منهم بما أعطى، وقسم له، وطاعته ربه مع ما حرم مما أعطى غيره. يقول فمن أجل ذلك لم أعط محمدا الدنيا، وجعلته يطلب المعاش في الأسواق، ولأبتليكم أيها الناس، وأختبر طاعتكم ربكم وإجابتكم رسوله إلى ما دعاكم إليه، بغير عرض من الدنيا ترجونه من محمد أن يعطيكم على اتباعكم إياه، لأني لو أعطيته الدنيا، لسارع كثير منكم إلى اتباعه طمعا في دنياه أن يَنال منها.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: ثني عبد القدوس، عن الحسن، في قوله: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً)... الآية، يقول هذا الأعمى: لو شاء الله لجعلني بصيرا مثل فلان، ويقول هذا الفقير: لو شاء الله لجعلني غنيا مثل فلان، ويقول هذا السقيم: لوشاء الله لجعلني صحيحا مثل فلان.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، في قوله: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) قال: يمسك عن هذا، ويوسع على هذا، فيقول: لم يعطني مثل ما أعطى فلانا، ويبتلى بالوجع كذلك، فيقول: لم يجعلني ربي صحيحا مثل فلان في أشباه ذلك من البلاء، ليعلم من يصبر ممن يجزع.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، قال: ثني محمد بن أبي محمد، فيما يرى الطبري، عن عكرمة، أو عن سعيد، عن ابن عباس، قال: وأنزل عليه في ذلك من قولهم: (مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ)... الآية: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) : أي جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا على ما تسمعون منهم، وترون من خلافهم، وتتبعوا الهدى بغير أن أعطيهم عليه الدنيا، ولو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي، فلا يخالفون لفعلت، ولكني قد أردت أن أبتلي العباد بكم وأبتليكم بهم.
وقوله: (وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) يقول: وربك يا محمد بصير بمن يجزع ومن يصبر على ما امتحن به من المحن.
كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج (وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) إن ربك لبصير بمن يجزع، ومن يصبر.