فهو بالنشر من الموت والنوم أشبه، كما صحّت الرواية عن النبيّ ﷺ أنه كان يقول إذا أصبح وقام من نومه: " الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَما أماتَنا، وإلَيْهِ النُّشُورُ".
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (٤٩) ﴾
يقول تعالى ذكره: والله الذي أرسل الرياح الملقحة (بُشْرًا) : حياة أو من الحيا والغيث الذي هو منزله على عباده (وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) يقول: وأنزلنا من السحاب الذي أنشأناه بالرياح من فوقكم أيها الناس ماء طهورا. (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا) يعني أرضا قَحِطة عذية لا تُنبت. وقال: (بَلْدَةً مَيْتًا) ولم يقل ميتة، لأنه أريد بذلك لنحيي به موضعًا ومكانًا ميتًا (وَنُسْقِيَهُ) من خلقنا (أَنْعَامًا) من البهائم (وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا) يعني الأناسيّ: جمع إنسان وجمع أناسي، فجعل الياء عوضا من النون التي في إنسان، وقد يجمع إنسان: إناسين، كما يجمع النَشْيان (١) نشايين. فإن قيل: أناسيّ جمع واحده إنسيّ، فهو مذهب أيضًا محكي، وقد يجمع أناسي مخففة الياء، وكأن من جمع ذلك كذلك أسقط الياء التي بين عين الفعل ولامه، كما يجمع القرقور: قراقير وقراقر. ومما يصحح جمعهم إياه بالتخفيف، قول العرب: أناسية كثيرة.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا (٥٠) ﴾
يقول تعالى ذكره: ولقد قسمنا هذا الماء الذي أنزلناه من السماء طهورا لنحيي به الميت من الأرض بين عبادي، ليتذكروا نعمي عليهم، ويشكروا أيادي عندهم وإحساني إليهم (فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا) يقول: إلا جحودا لنعمي عليهم، وأياديّ عليهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.