فظلت رءوس القوم وكبراؤهم لها خاضعين، وقال: أحب إلي من هذين الوجهين في العربية أن يقال: إن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون، فجعلت الفعل أولا للأعناق، ثم جعلت خاضعين للرجال، كما قال الشاعر:
عَلى قَبْضَة مَرْجُوَّة ظَهْرُ كَفِّهِ | فَلا المَرْءُ مُسْتَحي وَلا هُوَ طاعِمُ (١) |
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب وأشبهها بما قال أهل التأويل في ذلك أن تكون الأعناق هي أعناق الرجال، وأن يكون معنى الكلام: فظلت أعناقهم ذليلة، للآية التي ينزلها الله عليهم من السماء، وأن يكون قوله "خاضعين"مذكرا، لأنه خبر عن الهاء والميم في الأعناق، فيكون ذلك نظير قول جرير:
أرَى مَرَّ السِّنِينَ أخَذْنَ مِنِّي | كمَا أخَذَ السِّرَارُ مِنَ الهلالِ (٢) |
(١) هذا البيت مما استشهد به الفراء في معاني القرآن (الورقة ٣٢٨) قال عند قوله تعالى: (فظلت أعناقهم لها خاضعين) : الفعل للأعناق، فيقول القائل: كيف لم يقل خاضعة. وفي ذلك وجوه كلها صواب. أولها: أن مجاهدًا جعل الأعناق الرجال الكبراء، فكانت الأعناق ها هنا بمنزلة قولك: ظلت رءوسهم، رءوس القوم وكبراؤهم (لها خاضعين)، الآية. والوجه الآخر: أن تجعل الأعناق: الطوائف، كما تقول: رأيت الناس إلى فلان عنقًا واحدًا، فتجعل الأعناق: الطوائف والعصب. وأحب إليَّ من هذين الوجهين في العربية: أن الأعناق إذا خضعت، فأربابها خاضعون، فجعلت الفعل أولا للأعناق. ثم جعلت خاضعين للرجال، كما قال الشاعر "على قبضة مرجوة.." البيت. فأنث فعل الظهر، لأن الكف تجمع الظهر، وتكفي منه.
(٢) البيت لجرير، وقد سبق الاستشهاد به في الجزء (١٢: ١٥٧) وذكره صاحب (اللسان: خضع) قال: جاز أن يخبر عن المضاف إليه كما قال الشاعر "رأت مر السنين"، لما كانت السنون لا تكون إلا بمن أخبر عن السنين، وإن كان أضاف إليها المرور. والسرار: الليلة التي يخفى فيها الهلال آخر الشهر. ورواية "رأت مر السنين": هي رواية الديوان (طبعة الصاوي: ٤٢٦) ورواية أبي عبيدة في مجاز القرآن (ص ١٧١).
(٢) البيت لجرير، وقد سبق الاستشهاد به في الجزء (١٢: ١٥٧) وذكره صاحب (اللسان: خضع) قال: جاز أن يخبر عن المضاف إليه كما قال الشاعر "رأت مر السنين"، لما كانت السنون لا تكون إلا بمن أخبر عن السنين، وإن كان أضاف إليها المرور. والسرار: الليلة التي يخفى فيها الهلال آخر الشهر. ورواية "رأت مر السنين": هي رواية الديوان (طبعة الصاوي: ٤٢٦) ورواية أبي عبيدة في مجاز القرآن (ص ١٧١).