قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك في هذا الموضع، لأن قوله: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) عقيب وعيد الله قوما من أهل الشرك والتكذيب بالبعث، لم يكونوا أهلكوا، فيوجه إلى أنه خبر من الله عن فعله بهم وإهلاكه. ولعلّ ابن جُرَيج بقوله هذا أراد ما كان من ذلك عقيب خبر الله عن إهلاكه من أهلك من الأمم، وذلك إن شاء الله إذا كان عقيب خبرهم كذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) ﴾
يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمد إذ نادى ربك موسى بن عمران (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) يعني الكافرين قوم فرعون، ونصب القوم الثاني ترجمة عن القوم الأوّل، وقوله: (أَلا يَتَّقُونَ) يقول: ألا يتقون عقاب الله على كفرهم به. ومعنى الكلام: قوم فرعون فقل لهم: ألا يتقون. وترك إظهار فقل لهم لدلالة الكلام عليه. وإنما قيل: ألا يتقون بالياء، ولم يقل ألا تتقون بالتاء، لأن التنزيل كان قبل الخطاب، ولو جاءت القراءة فيها بالتاء كان صوابا، كما قيل: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَيُغْلَبُونَ) و" سَتُغْلَبُونَ"
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤) ﴾
يقول تعالى ذكره: (قال) موسى لربه (رَبِّ إِنِّي أَخَافُ) من قوم فرعون الذين أمرتني أن آتيهم (أَنْ يُكَذِّبُونِ) بقيلي لهم: إنك أرسلتني إليهم. (وَيَضِيقُ صَدْرِي) من تكذيبهم إياي إن كذّبوني. ورفع قوله: (وَيَضِيقُ صَدْرِي) عطفا به على أخاف، وبالرفع فيه قرأته عامة قرّاء الأمصار، ومعناه: وإني يضيق صدري. وقوله: (وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي) يقول: ولا ينطق بالعبارة عما ترسلني به إليهم، للعلة التي كانت بلسانه. وقوله: (وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي) كلام معطوف به على يضيق. وقوله: (فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ) يعني هارون أخاه، ولم يقل: فأرسل إليّ هارون ليؤازرني وليعينني، إذ كان مفهوما معنى الكلام، وذلك كقول القائل: لو نزلت بنا نازلة لفزعنا إليك، بمعنى: لفزعنا إليك لتعيننا. وقوله: (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) يقول: ولقوم فرعون عليّ دعوى ذنب أذنبت