وقوله: (تَخْرُجْ بَيْضَاءَ) يقول: تخرج اليد بيضاء بغير لون موسى (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) يقول: من غير برص (فِي تِسْعِ آيَاتٍ)، يقول تعالى ذكره: أدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء، فهي آية في تسع آيات مُرسل أنت بهنّ إلى فرعون; وترك ذكر مرسل لدلالة قوله (إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) على أن ذلك معناه، كما قال الشاعر:

رأتْنِي بِحَبْلَيْها فَصَدَّتْ مخافَةً وفِي الحَبْلِ رَوْعاءُ الفُؤَادِ فَرُوقُ (١)
ومعنى الكلام: رأتني مقبلا بحبليها، فترك ذكر "مقبل"استغناء بمعرفة السامعين معناه في ذلك، إذ قال: رأتني بحبليها; ونظائر ذلك في كلام العرب كثيرة.
والآيات التسع: هنّ الآيات التي بيَّناهنّ فيما مضى.
وقد حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) قال: هي التي ذكر الله في القرآن: العصا، واليد، والجراد، والقمل، والضفادع، والطوفان، والدم، والحجر، والطمس الذي أصاب آل فرعون في أموالهم.
وقوله: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) يقول: إن فرعون وقومه من القبط كانوا قوما فاسقين، يعني كافرين بالله، وقد بيَّنا معنى الفسق فيما مضى.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) ﴾
(١) سبق الكلام مفصلا على هذا الشاهد في الجزء (٧: ١١٣) وهو لحميد بن ثور الهلالي. وانظره في (اللسان: حبل) وفرق. وفي الأساس (روع). وفي معاني القرآن للفراء (الورقة ٢٣٢) قال الفراء أراد رأتني أقبلت بحبليها: بحبلى الناقة، فأضمر فعلا، كأنه قال: رأتني مقبلا

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤) ﴾
يقول تعالى ذكره: فلما جاءت فرعون آياتنا، يعني: أدلتنا وحججنا، على حقيقة ما دعاهم إليه موسى وصحته، وهي الآيات التسع التي ذكرناها قبل. وقوله (مُبْصِرَةً) يقول: يبصر بها من نظر إليها ورآها حقيقة ما دلت عليه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.


الصفحة التالية
Icon