فليس له في الدنيا حاجة، وليس إياها يريد، إنما يريد أن ندخل معه في دينه ونتبعه على أمره، أو كما قالت.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) بعثت بوصائف ووصفاء، لباسهم لباس واحد، فقالت: إن زيَّل بينهم حتى يعرف الذكر من الأنثى، ثم رد الهدية فهو نبي، وينبغي لنا أن نتبعه، وندخل في دينه; فزيل سليمان بين الغلمان والجواري، وردّ الهدية، فقال (أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ).
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان في الهدايا التي بعثت بها وصائف ووصفاء يختلفون في ثيابهم، ليميز الغلمان من الجواري، قال: فدعا بماء، فجعل الجواري يتوضأن من المرفق إلى أسفل، وجعل الغلمان يتوضئون من المرفق إلى فوق. قال: وكان أبي يحدثنا هذا الحديث.
حدثنا عبد الأعلى، قال: ثنا مروان بن معاوية، قال: ثنا إسماعيل، عن أبي صالح: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) قال: أرسلت بلبنة من ذهب، وقالت: إن كان يريد الدنيا علمته، وإن كان يريد الآخرة علمته.
وقوله: (فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) تقول: فأنظر بأيّ شيء من خبره وفعله في هديتي التي أرسلها إليه ترجع رسلي، أبقبول وانصراف عنا، أم بردّ الهدية والثبات على مطالبتنا باتباعه على دينه؟ وأسقطت الألف من "ما" في قوله (بِمَ) وأصله: بما، لأن العرب إذا كانت "ما" بمعنى: أي، ثم وصلوها بحرف خافض أسقطوا ألفها تفريقا بين الاستفهام وغيره، كما قال جلّ ثناؤه (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) و (قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ)، وربما أثبتوا فيها الألف، كما قال الشاعر:
عَلامَا قامَ يَشْتُمِني لَئِيمٌ | كَخِنزيرٍ تَمَرَّغَ فِي تُرَاب (١) |