حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه، قال: أمر سليمان بالصرح، وقد عملته له الشياطين من زجاج كأنه الماء بياضا، ثم أرسل الماء تحته، ثم وضع له فيه سريره، فجلس عليه، وعكفت عليه الطير والجنّ والإنس، ثم قال: (ادْخُلِي الصَّرْحَ) ليريها مُلكا هو أعزُ من ملكها، وسلطانا هو أعظم من سلطانها (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا) لا تشكُّ أنه ماء تخوضه، قيل لها: ادخلي إنه صرح ممرّد من قوارير; فلما وقفت على سليمان دعاها إلى عبادة الله ونعى عليها في عبادتها الشمس دون الله، فقالت بقول الزنادقة، فوقع سليمان ساجدا إعظاما لما قالت، وسجد معه الناس; وسقط في يديها حين رأت سليمان صنع ما صنع; فلما رفع سليمان رأسه قال: ويحك ماذا قلت؟ قال: وأُنْسِيت ما قالت: ، فقالت: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وأسلمت، فحسن إسلامها.
وقيل: إن سليمان إنما أمر ببناء الصرح على ما وصفه الله، لأن الجنّ خافت من سليمان أن يتزوّجها، فأرادوا أن يزهدوه فيها، فقالوا: إن رجلها رجل حمار، وإن أمها كانت من الجنّ، فأراد سليمان أن يعلم حقيقة ما أخبرته الجنّ من ذلك.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب القرظيّ، قال: قالت الجنّ لسليمان تزهِّده في بلقيس: إن رجلها رجل حمار، وإن أمها كانت من الجنّ. فأمر سليمان بالصرح، فعُمِل، فسجن فيه دواب البحر: الحيتان، والضفادع; فلما بصرت بالصرح قالت: ما وجد ابن داود عذابا يقتلني به إلا الغرق؟ (حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا) قال: فإذا أحسن الناس ساقا وقدما. قال: فضنّ سليمان بساقها عن الموسى، قال: فاتخذت النورة بذلك السبب.
وجائز عندي أن يكون سليمان أمر باتخاذ الصرح للأمرين الذي قاله وهب، والذي قاله محمد بن كعب القرظيّ، ليختبر عقلها، وينظر إلى ساقها وقدمها، ليعرف صحة ما قيل له فيها.
وكان مجاهد يقول -فيما ذكر عنه في معنى الصرح- ما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال:


الصفحة التالية
Icon