أرأيت قول الله (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى) من هؤلاء؟ فحدثني عن سفيان الثوري، قال: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ) يقول تعالى ذكره; قل يا محمد لهؤلاء الذين زيَّنا لهم أعمالهم من قومك فهم يعمهون: آلله الذي أنعم على أوليائه هذه النعم التي قصَّها عليكم في هذه السورة، وأهلك أعداءه بالذي أهلكهم به من صنوف العذاب التي ذكرها لكم فيها خير، أما تشركون من أوثانكم التي لا تنفعكم ولا تضرّكم، ولا تدفع عن أنفسها، ولا عن أوليائها سوءا، ولا تجلب إليها ولا إليهم نفعا؟ يقول: إن هذا الأمر لا يشكل على من له عقل، فكيف تستجيزون أن تشركوا عبادة من لا نفع عنده لكم، ولا دفع ضرّ عنكم في عبادة من بيده النفع والضرّ، وله كل شيء؟ ثم ابتدأ تعالى ذكره تعديد نعمه عليهم، وأياديه عندهم، وتعريفهم بقلة شكرهم إياه على ما أولاهم من ذلك، فقال: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ).
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَمَّن خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠) ﴾
يقول تعالى ذكره للمشركين به من قُريش: أعبادة ما تعبدون من أوثانكم التي لا تضرّ ولا تنفع خير، أم عبادة من خلق السموات والأرض؟ (وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) يعني مطرا، وقد يجوز أن يكون مريدا به العيون التي فجَّرها في الأرض؛ لأن كل ذلك من خلقه (فَأَنْبَتْنَا بِهِ) يعني بالماء الذي أنزل من السماء (حَدَائِقَ) وهي جمع حديقة، والحديقة: البستان عليه حائط محوّط، وإن لم يكن عليه حائط لم يكن حديقة. وقوله: (ذَاتَ بَهْجَةٍ) يقول: ذات منظر حسن. وقيل ذات بالتوحيد. وقد قيل حدائق، كما قال: (وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى)، وقد بيَّنت ذلك فيما مضى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في


الصفحة التالية
Icon