(فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ) وهو أمّ الكتاب الذي أثبت ربنا فيه كلّ ما هو كائن من لدن ابتدأ خلق خلقه إلى يوم القيامة. ويعني بقوله: (مُبِين) أنه يبين لمن نظر إليه، وقرأ ما فيه مما أثبت فيه ربنا جلّ ثناؤه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) يقول: ما من شيء في السماء والأرض، سرّ ولا علانية إلا يعلمه.
وقوله: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) يقول تعالى ذكره: إن هذا القرآن الذي أنزلته إليك يا محمد يقصّ على بني إسرائيل الحقّ، في أكثر الأشياء التي اختلفوا فيها، وذلك كالذي اختلفوا فيه من أمر عيسى، فقالت اليهود فيه ما قالت، وقالت النصارى فيه ما قالت، وتبرأ لاختلافهم فيه هؤلاء من هؤلاء، وهؤلاء من هؤلاء، وغير ذلك من الأمور التي اختلفوا فيها، فقال جلّ ثناؤه لهم: إن هذا القرآن يقصّ عليكم الحق فيما اختلفتم فيه فاتبعوه، وأقرّوا لما فيه، فإنه يقص عليكم بالحقّ، ويهديكم إلى سبيل الرشاد.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨) ﴾
يقول تعالى ذكره: إن هذا القرآن لهدى، يقول: لبيان من الله، بَيَّنَ به الحق فيما اختلف فيه خلقه من أمور دينهم (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) يقول: ورحمة لمن صدق به وعمل بما فيه، (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ) يقول: إن ربك يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل بحكمه فيهم، فينتقم من المبطل منهم، ويجازي المحسن منهم المحقّ بجزائه، (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) يقول: وربك العزيز في انتقامه من المبطل منهم ومن غيرهم، لا يقدر أحد على منعه من الانتقام منه إذا انتقم العليم بالمحق المحسن من هؤلاء المختلفين من بني إسرائيل فيما اختلفوا فيه، ومن غيرهم من المبطل الضالّ عن الهدى.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ