واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز والبصرة، وبعض الكوفيين: (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ) بمعنى: ونري نحن، بالنون عطفا بذلك على قوله: (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ). وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: "وَيَرَى فِرْعَوْنُ" على أن الفعل لفرعون، بمعنى: ويعاين فرعون، بالياء من يرى، ورفع فرعون وهامان والجنود.
والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان معروفتان في قرّاء الأمصار، متقاربتا المعنى، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب، لأنه معلوم أن فرعون لم يكن ليرى من موسى ما رأى، إلا بأن يريه الله عزّ وجلّ منه، ولم يكن ليريه الله تعالى ذكره ذلك منه إلا رآه.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧) ﴾
يقول تعالى ذكره: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى) حين ولدت موسى (أَنْ أَرْضِعِيهِ).
وكان قَتادة يقول، في معنى ذلك (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى) : قذفنا في قلبها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى) وحيًا جاءها من الله، فقذف في قلبها، وليس بوحي نبوة، أن أرضعي موسى، (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي)... الآية..
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة، قوله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى) قال: قذف في نفسها.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: أمر فرعون أن يذبح مَن وُلِد من بني إسرائيل سنة، ويتركوا سنة; فلما كان في السنة التي يذبحون فيها حملت بموسى; فلما أرادت وضعه، حزنت من شأنه، فأوحى الله إليها (أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ).