من الرياسة وحب الدنيا إلى ما تكرهونه من التسليم لأمري، واتباع رسولي محمد ﷺ - بالصبر عليه والصلاة.
* * *
وقد قيل: إن معنى"الصبر" في هذا الموضع: الصوم، و"الصوم" بعض معاني"الصبر". وتأويل من تأول ذلك عندنا (١) أن الله تعالى ذكره أمرهم بالصبر على ما كرهته نفوسهم من طاعة الله، وترك معاصيه. وأصل الصبر: منع النفس محابَّها، وكفها عن هواها; ولذلك قيل للصابر على المصيبة: صابر، لكفه نفسه عن الجزع; وقيل لشهر رمضان"شهر الصبر"، لصبر صائميه عن المطاعم والمشارب نهارا، (٢) وصبره إياهم عن ذلك: (٣) حبسه لهم، وكفه إياهم عنه، كما تصبر الرجل المسيء للقتل فتحبسه عليه حتى تقتله. (٤) ولذلك قيل: قتل فلان فلانا صبرا، يعني به: حبسه عليه حتى قتله، فالمقتول"مصبور"، والقاتل"صابر".
* * *
وأما الصلاة فقد ذكرنا معناها فيما مضى. (٥)
* * *
فإن قال لنا قائل: قد علمنا معنى الأمر بالاستعانة بالصبر على الوفاء بالعهد والمحافظة على الطاعة، فما معنى الأمر بالاستعانة بالصلاة على طاعة الله، وترك معاصيه، والتعري عن الرياسة، وترك الدنيا؟ قيل: إن الصلاة فيها تلاوة كتاب الله، الداعية آياته إلى رفض الدنيا وهجر

(١) في المطبوعة: "... بعض معاني الصبر عندنا بل تأويل ذلك عندنا... " وفي المخطوطة: "... بعض معاني الصبر عند تأويل من تأول ذلك عندنا... " وكأن الصواب ما أثبته.
(٢) في المطبوعة والمخطوطة: "لصبره صائمة... "، ولكن الكلام لا يستقيم لاختلال الضمائر في الجملة التالية.
(٣) الضمير في قوله"وصبره" إلى شهر رمضان.
(٤) في المخطوطة والمطبوعة: "كما يصبر... فيحبسه... حتى يقتله" كله بالياء، والصواب ما أثبته.
(٥) انظر ما مضى: ١: ٢٤٢ - ٢٤٣.


الصفحة التالية
Icon