قرأ به. (١) ومن نطق بهذه اللغة مخبرا عن نفسه قال:"عثوت أعثو"، ومن نطق باللغة الأولى قال: عَثِيت أَعْثَى".
والأخرى منهما:"عاث يعيث عيثا وعيوثا وعيثانا، كل ذلك بمعنى واحد. ومن"العيث" قول رؤبة بن العجاج:
وعاث فينا مستحل عائث:... مُصَدِّق أو تاجر مقاعث (٢)
يعني بقوله:"عاث فينا"، أفسد فينا.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا﴾
قد دللنا -فيما مضى قبل- على معنى "الصبر" وأنه كف النفس وحبسها عن الشيء. (٣) فإذ كان ذلك كذلك، فمعنى الآية إذا: واذكروا إذا قلتم -يا معشر بني إسرائيل-: لن نطيق حبس أنفسنا على طعام واحد - وذلك"الطعام الواحد"، هو ما أخبر الله جل ثناؤه أنه أطعمهموه في تيههم، وهو"السلوى"

(١) "القراءة سنة، ولا يقرأ بما قرأ به القراء". لسان العرب (عثى).
(٢) ديوانه" ٣٠. مستحل: قد استحل أموالهم واستباحها. والمصدق: هو العامل الذي يقبض زكاة أموال الناس، وهو وكيل الفقراء في القبض، وله أن يتصرف لهم بما يؤديه إليه اجتهاده، فربما جار إذا لم يكن من أهل الورع. قعث الشيء يقعثه: استأصله واستوعبه. وقعثه فانقعث: إذا قلعه من أصله فانقلع. ولم تذكر معاجم اللغة: " قاعث فهو مقاعث"، ولكنه لما أراد أن التاجر يأتي بظلمه وجوره وإغلائه السعر، فيستأصل أموال الناس ويقتلعها، والناس يدافعونه عن أموالهم - اشتق له من المفاعلة التي تكون بين اثنين: "قاعث فهو مقاعث"، أي يحاول استئصال أموال الناس، والناس يدافعونه عن أموالهم.
(٣) انظر ما مضى في هذا الجزء ٢: ١١


الصفحة التالية
Icon