قرارا من الأرض التي تنبت لهم ما سأل لهم من ذلك، إذ كان الذي سألوه لا تنبته إلا القرى والأمصار، وأنه قد أعطاهم ذلك إذ صاروا إليه. وجائز أن يكون ذلك القرار"مصر"، وجائز أن يكون"الشأم".
فأما القراءة فإنها بالألف والتنوين: (اهبطوا مصرا) وهي القراءة التي لا يجوز عندي غيرها، لاجتماع خطوط مصاحف المسلمين، واتفاق قراءة القَرَأَة على ذلك. ولم يقرأ بترك التنوين فيه وإسقاط الألف منه، إلا من لا يجوز الاعتراض به على الحجة، (١) فيما جاءت به من القراءة مستفيضا بينهما.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾
قال أبو جعفر: يعنى بقوله: (وضربت) أي فرضت. ووضعت عليهم الذلة وألزموها. من قول القائل:"ضرب الإمام الجزية على أهل الذمة" و"ضرب الرجل على عبده الخراج" يعني بذلك وضعه فألزمه إياه، ومن قولهم:"ضرب الأمير على الجيش البعث"، يراد به: ألزمهموه. (٢)
* * *
وأما"الذلة" فهي"الفعلة" من قول القائل: ذل فلان يذل ذلا وذلة"، كـ "الصغرة" من "صغُر الأمر"، و "القِعدة" من "قعد". (٣)
و"الذلة" هي الصغار الذي أمر الله جل ثناؤه عباده المؤمنين أن لا يعطوهم أمانا على القرار على ما هم عليه من كفرهم به وبرسوله - إلا أن يبذلوا الجزية عليه لهم، فقال عز وجل: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِر

(١) الحجة هنا: الذين يحتج بهم.
(٢) البعث: بعث الجند إلى الغزو.
(٣) لم أجد فيما بين يدي من الكتب من نص على صِغرة فرة" و"قعدة" مصدر على فعلة مثل: نشد الدابة نِشدة، ليس للهيئة، وإن وافقها في الوزن.


الصفحة التالية
Icon