فقال:"تخلفوا"، وجعل"من" بمنزلة"الذين"، وقال الفرزدق:

تعال فإن عاهدتني لا تخونني نكن مثل من يا ذئب يصطحبان (١)
فثنى "يصطحبان " لمعنى "من". فكذلك قوله: (من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم)، وحد "آمن وعمل صالحا" للفظ "من"، وجمع ذكرهم في قوله: (فلهم أجرهم)، لمعناه، لأنه في معنى جمع.
* * *
وأما قوله: ﴿وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) ﴾
فإنه يعني به جل ذكره: ولا خوف عليهم فيما قدموا عليه من أهوال القيامة، ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم من الدنيا وعيشها، عند معاينتهم ما أعد الله لهم من الثواب والنعيم المقيم عنده.
* * *
* ذكر من قال عُني بقوله: (من آمن بالله)، مؤمنو أهل الكتاب الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
١١١٢ - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط بن نصر، عن السدي: (إن الذين آمنوا والذين هادوا) الآية، قال: نزلت هذه الآية في أصحاب سلمان الفارسي. وكان سلمان من جُنْدَيسابور، وكان من أشرافهم، وكان ابن الملك صديقا له مؤاخيا، لا يقضي واحد منهم أمرا دون صاحبه، وكانا يركبان إلى الصيد جميعا. فبينما هما في الصيد، إذ رفع لهما بيت من عباء، (٢) فأتياه فإذا هما فيه برجل بين يديه مصحف يقرأ فيه
(١) ديوانه: ٨٧٠، وسيبويه ١: ٤٠٤، والكامل ١: ٢١٦، وطبقات فحول الشعراء: ٣١٠، والأضداد: ٢٨٨، وأمالي ابن الشجري ٢: ٣١١. ورواية ديوانه"تعش فإن واثقتني". وهو بيت من قصيدته الجيدة التي قالها حين نزل به ذئب فأضافه.
(٢) رفع له الشيء (بالبناء للمجهول) : أبصره من بعد. وفي المطبوعة: " بيت من خباء" والخباء بيت من وبر أو صوف. فهو كلام لا معنى له. وفي الدر المنثور ١: ٧٣ وروى الخبر بطوله: "من عباءة". والصواب ما أثبته. والعباء ضرب من الأكسية فيه خطوط سود كبار، وهو هنا مفرد، وجمعه أعبية. والعباء أيضًا جمع عباءة.


الصفحة التالية
Icon