خرج في أرض العرب فإن أدركته فآمن به واتبعه. فقال له سلمان: فأخبرني عن علامته بشيء. قال: نعم، هو مختوم في ظهره بخاتم النبوة، وهو يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة. ثم رجعا حتى بلغا مكان المقعد، فناداهما فقال: يا سيد الرهبان، ارحمني يرحمك الله! فعطف إليه حماره، فأخذ بيده فرفعه، فضرب به الأرض ودعا له وقال: قم بإذن الله! فقام صحيحا يشتد، (١) فجعل سلمان يتعجب وهو ينظر إليه يشتد. وسار الراهب فتغيب عن سلمان، ولا يعلم سلمان.
ثم إن سلمان فزع فطلب الراهب. فلقيه رجلان من العرب من كلب، فسألهما: هل رأيتما الراهب؟ فأناخ أحدهما راحلته، قال: نعم راعي الصرمة هذا! (٢) فحمله فانطلق به إلى المدينة.
قال سلمان: فأصابني من الحزن شيء لم يصبني مثله قط. فاشترته امرأة من جهينة فكان يرعى عليها هو وغلام لها يتراوحان الغنم هذا يوما وهذا يوما، فكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمد صلى الله عليه وسلم. فبينا هو يوما يرعى، إذ أتاه صاحبه الذي يعقبه، (٣) فقال: أشعرت أنه قد قدم اليوم المدينة رجل يزعم أنه نبي؟ (٤) فقال له سلمان: أقم في الغنم حتى آتيك.
فهبط سلمان إلى المدينة، فنطر إلى النبي ﷺ ودار حوله. فلما رآه النبي ﷺ عرف ما يريد، فأرسل ثوبه حتى خرج خاتمه، فلما رآه أتاه وكلمه. ثم انطلق فاشترى بدينار، ببعضه شاة وببعضه خبزا، ثم أتاه به. فقال:"ما هذا"؟ قال سلمان: هذه صدقة قال: لا حاجة لي بها،

(١) اشتد: عدا وأسرع.
(٢) الصرمة: القطيع من الإبل والغنم.
(٣) عقبه يعقبه: جاء بعده في نوبته، ومنه التعاقب: أن يأتب هذا ويذهب ذاك.
(٤) أشعرت: علمت.


الصفحة التالية
Icon