وقال آخرون: بل قوله: (يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) كقوله: (جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) ولا إرادة له. قالوا وإنما أريد بذلك أنه من عظم أمر الله، يرى كأنه هابط خاشع من ذل خشية الله، كما قال زيد الخيل:

بجمع تضل البلق في حَجَراته ترى الأكْمَ منه سجدا للحوافر (١)
وكما قال سويد بن أبي كاهل يصف عدوا له:
ساجد المنخر لا يرفعه خاشع الطرف أصم المستمع (٢)
يريد أنه ذليل. (٣)
وكما قال جرير بن عطية:
لما أتى خبر الرسول تضعضعت سور المدينة والجبال الخشع (٤)
* * *
وقال آخرون: معنى قوله: (يهبط من خشية الله)، أي: يوجب الخشية لغيره، بدلالته على صانعه، كما قيل:"ناقة تاجرة"، إذا كانت من نجابتها وفراهتها تدعو الناس إلى الرغبة فيها، كما قال جرير بن عطية:
(١) مضى هذا البيت في هذا الجزء: ٢: ١٠٤ وورد هنا"ترى الأكم فيها" والصواب ما أثبته، كما مضى آنفًا، وفي الأضداد لابن الأنباري"منها" مكان"فيها".
(٢) المفضليات: ٤٠٧، والأضداد لابن الأنباري: ٢٥٧. من قصيدته المحكمة. و"ساجد" منصوب إذ قبله، في ذكر عدوه هذا:وفي الأصل المطبوع: "إذ يرفعه"، وهو خلل في الكلام. وأثبت ما في المفضليات، ورواية ابن الأنباري: "ما يرفعه".. يقول أذله فطأطأ رأسه خزيا، وألزم الأرض بصره، وصار كأنه أصم لا يسمع ما يقال له، فهو لا حراك به، مات وهو حي قائم، لا يحير جوابا. ولذلك قال بعده:
ثم ولى وهو لا يحمى استه طائر الإتراف عنه قد وقع
فر مني هاربا شيطانه حيث لا يعطى، ولا شيئا منع
(٣) هذه الجملة كانت قبل البيت، فرددتها إلى حيث ينبغي أن ترد.
(٤) سلف هذا البيت وتخرجه في هذا الجزء ٢: ١٧، وروايته هناك "خبر الزبير"، وهي أصح وأجود.


الصفحة التالية
Icon