ثنى المستشفع به، فصار به شفعا (١) فكان ذو الحاجة -قبل استشفاعه به في حاجته- فردا، فصار صاحبه له فيها شافعا، وطلبه فيه وفي حاجته شفاعة. ولذلك سمي الشفيع في الدار وفي الأرض"شفيعا" لمصير البائع به شفعا. (٢)
* * *
فتأويل الآية إذا: واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس حقا لزمها لله جل ثناؤه ولا لغيره، ولا يقبل الله منها شفاعة شافع، فيترك لها ما لزمها من حق.
وقيل: إن الله عز وجل خاطب أهل هذه الآية بما خاطبهم به فيها، لأنهم كانوا من يهود بني إسرائيل، وكانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه، وسيشفع لنا عنده آباؤنا. فأخبرهم الله جل وعز أن نفسا لا تجزي عن نفس شيئا في القيامة، ولا يقبل منها شفاعة أحد فيها حتى يستوفى لكل ذي حق منها حقه. كما:-
٨٨٠ - حدثني عباس بن أبي طالب، قال: حدثنا حجاج بن نصير، عن شعبة، عن العوام بن مراجم -رجل من قيس بن ثعلبة-، عن أبي عثمان النهدي، عن عثمان بن عفان: أن رسول الله ﷺ قال: إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة، كما قال الله عز وجل (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا)... [الأنبياء: ٤٧] الآية (٣)

(١) في المطبوعة: " المستشفع له"، وهو خطأ، كما يدل عليه تمام الكلام.
(٢) قال ابن قتيبة في تفسير"الشفعة": "كان الرجل في الجاهلية، إذا أراد بيع منزل، أتاه رجل فشفع إليه فيما باع، فشفعه وجعله أولى بالميبع ممن بعد سببه. فسميت شفعة، وسمى طالبها شفيعا". والشفعة في الدار والأرض: القضاء بها لصاحبها (اللسان: شفع).
(٣) الحديث: ٨٨٠ - عباس بن أبي طالب: هو عباس بن جعفر بن الزبرقان البغدادي، وهو ثقة، مترجم في التهذيب، ترجمه ابن أبي حاتم ٣ / ١ /٢١٥، والخطيب في تاريخ بغداد ١٢: ٤١١ - ١٤٢."العوام بن مراجم". بالراء والجيم، ثبت في الأصول"مزاحم" بالزاي والحاء، وهو تصحيف.
والحديث ضعيف الإسناد، من أجل حجاج بن نصير الفساطيطي. وقد رواه عبد الله بن أحمد، في الزوائد على المسند: ٥٢٠، عن عباس بن محمد وأبي يحيى البزار، كلاهما عن حجاج بن نصير. وقد فصلنا القول في ضعفه هناك.
وأما معناه فصحيح ثابت، من حديث أبي هريرة، رواه أحمد في المسند: ٧٢٠٣. ورواه مسلم، والترمذي، وصححه. "الجماء": لا قرن لها. و"القرناء": ذات القرن.


الصفحة التالية
Icon